رحلة العودة للعمل في زمن "كوفيد- 19"


رحلة العودة للعمل طويلة لا تبدأ بموقف الباصات او المترو او بالسيارة، وانما بانخفاض مؤشر الاصابة بالفايروس المستجد. رحلةٌ بدأت إرهاصاتها الاولى بتراجع الاصابات والوفيات في ألمانيا وايطاليا واسبانيا التي نشطت فيها الحركة اعتبارا من الاثنين الماضي، علماً بأن معدل الوفيات اليومية ما زال مرتفعًا في إسبانيا، يفوق الـ500 حالة.


رحلة طالت بالنسبة للإسبان والالمان والايطاليين والفرنسيين، في حين كانت رحلة قصيرة في اليابان وكوريا الجنوبية والبرازيل التي لم تنقطع عجلة الانتاج فيها إلا مكرهة في بعض الحالات؛ فالأمر كان منوطًا بالشركات الكبرى، وسلاسل الإنتاج المتوقفة لا بالقرارات الحكومية.

الدعوات تتصاعد في الولايات المتحدة الامريكية لإطلاق عجلة الإنتاج مجددا على وقع التحولات المتسارعة في القارة الاوروبية والصين، وخصوصا في بعض الولايات التي تعد نفسها اقل تضررا من الوباء، من أجل العودة للعمل لحصد المزروعات ونقل البضائع المكدسة، وهي نشاطات من الممكن تتداعى لتفتح الباب للعمالة القادمة من خارج الحدود، خصوصا المكسيك، معضلة كبيرة لصانع القرار في واشنطن.

العودة للعمل بات قرارًا معقدًّا لا يتعلق بمؤشرات الاسواق المالية، وانما مؤشرات "كوفيد- 19"؛ فالبطالة تسارعت في أمريكا لتقفز من 7 ملايين الى 17 مليون عاطل عن العمل، مشككة بخطط الإنقاذ والتحفيز.

المزارعون كذلك يضغطون لإنقاذ محاصيلهم، ومعهم صناعيون يخشون خسارة الاسواق؛ فالتداعيات السياسية والانتخابية ايضا حاضرة، وحمى العودة للعمل تنتشر في اوروبا واليابان وكوريا والصين لتترك آثارها في البيت الابيض.

غير أنَّ المسألة تتجاوز شيئا فشيئا حساب الخسائر البشرية والصحية لـ"كوفيد- 19" إلى مخاطر الاستقرار، مُهيِّئة المناخ السياسي والاقتصادي لإطلاق جولة من المساومات السياسية والاقتصادية تعود بالعالم الى مناخ الحرب التجارية، والسياسات الحمائية التي اطلقها ترمب، ولكن هذه المرة على وقع "كوفيد- 19"؛ ما يعني ضرورة اجراء مفاوضات او مساومات جديدة لضمان النقل الآمن للبضائع، فاتحا الباب لمساومات محتملة بين الدول المتنافسة تتناسب مع عصر "كوفيد- 19"، وشروطه الصحية؛ إذ سيتحول على الأرجح لعلامة تشبه "أيزو" تضاف إلى أغلفة السلع.  

دعوات العودة إلى العمل يتردد صداها في كل مكان من العالم؛ فالهند مهددة بالمجاعة نتيجة عودة الملايين الى قراهم المعدمة بحثا عن أي شيء يصلح للأكل؛ فالأبقار لم تعد مقدسة! او من الممكن ان تفقد قدسيتها لتشعل حربا ضروسا، وتفتح الباب على اضطرابات اجتماعية أعنف من سابقتها!  

ختامًا: العودة إلى العمل ليست قرارًا سهلًا، ولا تعني بالضرورة قفزة كبيرة في النمو الاقتصادي، وإنما محاولة لتجنب الأسوأ اقتصاديًّا؛ ما يعني ان العالم سيشهد محاولات جادة أو هزلية لوضع معيار الجودة "كوفيد- 19" لإجازة الأعمال والصناعة والزراعة إلى حين اكتشاف اللقاح.