جلطةٌ دماغيّة

ليس عيبا القول ، وفي منتهى الصراحة، إن الوطن في هذه المرحلة الحرجة ،مصاب بالجلطة الدماغية ، وبشلل حركي تفشّى في معظم أجهزته وأطرافه ، فلم يعُد قادرا إلاّ على التبذير الكلامي والصراخ ألما ومعاناة لفداحة ما أصابه ، تماماً كالمريض الذي لا يستقر له قرار ، وقد أزعج أهله ،صراخا وولولة : أنزلوني عن السرير ، ارفعوني عن الأرض ،ضعوا المخدة على الجانب الأيمن ، لا ، وراء ظهري ، لا ، اتركوني ،أريد .. وهكذا ليلا ونهارا طوال فترة المرض . ما حصل لهذا الوطن / المريض الفقير الذي يحصل على راتبه الشهري من المعونة الدولية ،أننا أصبحنا كلنا أطباء ،نحاول مساعدته في حسن نيّة ،ومعالجته بدافع من الحب والشفقة والخوف عليه ، لاشك في هذا ولا أحد ينكر حبّنا له؛لأنه حين كان قويا أطعمنا من جوع ، وآمننا من خوف ،ونحن بأمسِّ الحاجة إليه ،كي يعود كما كان ؛ لذلك صار أبناؤه كلما سمعوا بدواء لهذا المرض ،أحضروه وصبُّوه في حَلقهِ دون استشارة الطبيب ،أو إذا ما تناهى إليهم طبيبا شعبيا أو مشعوذا ،تراكضوا لجلبه ، ،وكثيرا ما أسقوه أغمارا من اليانسون والميرمية والجعدة ..ولكن لا حياة لمن تنادي؛ فنتج عن هذا التخبيص الدوائي انتشار الأورام والدمامل والطفح الجلدي والصديد والحساسية على كامل جسده المنهك . الأمر الذي جعل أبناءه يرفعون أصواتهم حول رأسه محتجين عليه حينا ،من أنه لا يرغب في الشفاء أو يستجيب للعلاج ! ولذلك فحالته ميئوس منها ،أومعترضين على المتطوعين من المعالجين ، وطرقهم البدائية المتخلفة أحيانا كثيرة . لقد وقع أبناؤه في (حيص بيص ) فأخذوا يكيلون التهم جزافا لكل من حاول أن يسهم ولو بكلمة طيبة ، أو بدعاء صالح ، أو بقليل من العمل لإدخال السرور على المريض المسجّى . الوطن في حاجة إلى رجال ،لا إلى موظفين كبار ،يعملون بالمياومة . الوطن ينزف وينزف ، واليُود والشاش والمعقّمات صُراخنا في الشوارع والفضائيات . والأطباء لا يستجيبون للجرح الراعف! الوطن بأجهزته الحكومية مرتبكة ومستنفرة لا تحب رائحة الكاوتشوك المضطرم مثلما نحن لا نحبُّ أن نشمّ رائحة الغاز ؟ الذنب ليس على المريض ، بل الذنب علينا كلنا ،لأننا لم نتابع سيرته المرضية منذ بدايتها بجديّة ، ولم نخضعه لعملية كانت له ضرورية . كم نخطئ حين نضع على الجرح النازف سكرا! الخلاص في اجتثاث العُثَّة من مخبئها ،لا اجتثاث المريض. وإلا فلننتظر كلنا لحظة الوفاة ، لنتباكى عليه .