تحويل الأزمة إلى فرصة

لم نكن الوحيدين في هذا العالم من اتخذ قرارات إغلاق البلاد وإعلان حظر التجول وتعطيل الصناعة والانتاج تطبيقا للبروتكول العالمي لمكافحة الأوبئة، والذي طبقته أغلب الدول التي اجتاحها فايروس كورونا، جاء هذا الإغلاق متفاوتا بين التشديد القاسي والمتدرج والأقل شدة، وبدأت دول الجوار التي يستمر تفشي الوباء فيها، بالاتجاه نحو الخطوات الأشد حزما وقسوة، كما فعلت الأردن في محاولة للسيطرة على الوباء تماهيا مع تجربتنا العظيمة.

هذا المسلك العالمي أدى الى إغلاق الكثير من المصانع العملاقة وشح المخزون وارتفاع الطلب على المواد الخام والأساسية من مدخلات الانتاج مما رفع أسعارها وأصبحت الأولوية للطلبات الكبيرة خصوصا مع توقف شحن الركاب واقتصار الشحن الجوي على البضائع وهذا الوضع له مؤشرات أولها أن المستورد لا يستطيع شحن كمية بسيطة وإنما حمولة طائرة كاملة، مما يضع المصنع المحلي أمام تكاليف تخزين وعائدات تمويل ودفع نقدي للطلبيات وفق متغيرات الأسواق العالمية التي تراجعت عن الدفع المؤجل.

هذه المعطيات تشكل خطرا وفرصة في آن واحد. يتمثل الخطر في ضرورة الحرص على المخزون الوطني الاستراتيجي من المواد الأولية اللازمة للصناعة والزراعة، خشية استمرار الأزمة العالمية طويلا، وخشية أن يؤدي نفاد المخزون إلى توقف الإنتاج وإغلاق المصانع.

وهذا ينطبق أيضا على المواد الأساسية من القمح والأرز والمواد الغذائية الأخرى بسبب الإغلاق في كل الدول المصدرة.

فرصتنا الاقتصادية هي التعافي مبكرا من خلال مزيد من الإجراءات مهما بلغت قسوتها والانتقال إلى الانتاج الزراعي والصناعي لتغطية احتياجات المنطقة، لان منتجاتنا ستكون وفق المعطيات الأوفر والأقرب والأكثر منافسة، نظرا لمصاعب الشحن التي ذكرناها.

ولنجاح الفرصة المتاحة لابد من تمكين المصانع الاردنية من المنافسة العالمية من خلال إعداد خطة تمويل لفتح الاعتمادات المستندية بيسر وسهولة وبضمانات بسيطة، وكذلك تأجيل دفع ضريبة المبيعات لكل المستوردات التي تدخل في مجال الصناعة، وتخفيف الأعباء الجمركية والرسوم والأرضيات،وإعداد مستودعات عامة للتخفيف من كلفة التخزين، وتجهيز احتياطي طويل الأمد يخدم المنطقة برمتها من المواد الغذائية الأساسية والبذور والمبيدات والأسمدة المستوردة وكل ما يلزمنا من الخارج.

لابد أيضا من إعداد خطط للتوجيه والإرشاد للاقتصاد بالإنفاق على المستلزمات اليومية وضرورة التقشف في الاستهلاك المنزلي وإعداد إرشادات لأهمية الزراعة الصيفية والمنزلية والريفية من خلال برامج توعوية موسعة، مع دراسة احتياجات المنطقة من المواد الزراعية من البندورة والبطاطا والبصل وغيرها مما تفتقر إليه الدول المجاورة.

إعداد ميزان يبين ما يلزمنا وما يفيض عن حاجتنا ومنع تصدير ما يعتبر مخزونا مهما لغذائنا أولاً، والسماح بتصدير الفائض فقط.

إدارة الأزمة ليست إدارة ليومياتها بل إدارة استثمار واغتنام الفرص. الذكاء ليس فقط الانتصار والخروج بأقل الخسائر بل الانتصار والخروج بأعظم الأرباح.

حمى الله الأردن قيادة وأرضاً وشعباً