وفي اليوم العشرين


(كل شيء بقدر حتى العَجْز والكَيْس)، حديث شريف.

هل هو اليوم العشرون من أيام الحجر؟ لا أعرف، فبعد اليوم العاشر بدأت أفقد إحساسي بالأيام، بدا لي أنني ولدت مسجونًا، وضعت رأسي بين كفيّ،وبدأت عشرات الأسئلة والوساوس تقرع رأسي، ما الذي يجري في العالم، وماذا تخبئ لنا الأيام الحبلى بالموت.

هل سأستطيع دفع التزاماتي وفواتيري ومصاريف تعليم الأولاد؟ ضحكت ثم طردت هذه الفكرة السخيفة، لأن هذا كله بدا ترفًا، فالسؤال الأساسي هل سأطعم أولادي؟ وهل سنمرض؟ وإذا مرضنا هل سنُعالَج أم سنكون رقمًا في إحصائيات الكورونا اليومية؟ وهل سنظهر في شريط يطوف جميع مجموعات (الواتس آب) وكل يدلو بدلوه أو يبدي وجهة نظره أو يتندر؛ بعد أن نصبح حديث الشارع.

أشفقت على حكومتي، فهي تبذل كل جهد لمحاربة الوباء، ولكننا جميعا أُحبطنا من تصرفات القليلين الذين لم يخذلوها هي فقط،بل خذلوا وطنًا بأكمله،وشعرت بأفول اليقين والحماس عندما تسللت خيبة الأمل إلى صوت نجومها وحركة عيونهم التي أعياها السهر والجهد.

ومع طول فترة السجن هذه بدأت ألاحظ ملامح الملل والضجر في أعضاء الأسرة الواحدة، فقد دخل بينهم الملل،اختفى الحماس بين أفراد الأسرة، وانتهت أيام السهرات، وبهتت الضحكات.

دولتنا تشعر بألم المواطن وتبذل جهدها لرفع هذا الألم، بدأت بعض القطاعات بالعمل وستعمل قطاعات أخرى،أخشى أن يستشري المرض،فنحن أمام خيارين أصعبهما مر؛أن نموت فقرًا أو مرضًا!

لم أجد أية إجابة شافية لكل ما يدور في رأسي!

سمعت أذان الفجر يصدح عذبا سجيًّا،توضأت وصليت ودعيت وسبحت وابتهلت للواحد الأحد، ثم وقفت تحت رذاذ المطر، أخذت نفسا عميقا ونظرت إلى الأعلى وقلت: يا رب،أنا ضعيف لا حيلة لي، كالريشة في مهب الريح. كما يقول الجبرية.

شعرت بسكينة وتملكتني فكرة؛لا بد من أنه سيولد شيءٌ جميلٌ من هذا الموت والفوضى، ومن مساحتي هذه الصغيرة المقدسة سأحتفل بمولده، وسأذهب إليه وألمسه، لذلك قررت أنني سأجلس في منزلي وأصبر منتظرًا هذه الإشارة، سأرمي هاتفي وأغلق أذنيّ عن سماع الأخبار السيئة والإحصائيات المرعبة.

شاهدت خطاب جلالة الملك الذي أعطانا دفعة كبيرة وتحدث بلغة الأب الحاني الذي طمأن شعبه، وسمعت فرحة حقيقية في صوت وزير صحتنا حين أعلن أنه كوادره طافت أرجاء الوطن ولم تسجل أية إصابة جديد.

سيكون استيقاظ ابني من نومه سعيدًا ضاحكًا هو إيذان ببدء اليوم المشهود، سيحضن جدته بعد طول غياب، سيخرج للشارع للعب مع أصدقائه ببراءة وخجل،وستتقابل العيون مرة أخرى.

سيشفى الإنسان بإرادة الله،وسنتنسم الحرية، سنقف صفا متراصا للصلاة، وستعود أيام التعاليل والسمر، سننتظر هذا اليوم، حتى ذلك الوقت سنتغير نحو الأفضل،وسنخرج أكثر قوةً ومنعةً واتحادًا، لن نكون متحفزين كما كنا،بل سنصبح أكثر سكونًا وتأملًا بمسحة من الفلسفة والوقار، ستتفتح عقولنا وستتسع قلوبنا ونحن ننتظر هذا الفرج القريب، وسيصبح هذا الجحيم ذكرى جميلة للبعض، وللأسف مؤلمة للبعض الآخر، هي الدنيا.