أزمة الثقة بين المواطن والمسؤول !!!

حين تستعرض مسيرة أي دولة في العالم ، لا بد أن تتوقف في محطات كثيرة سياسية وأجتماعية وأقتصادية من تاريخ تلك الدولة والتي تؤدي بالنهاية الى تشكيل للهوية الوطنية ولشكل النظام السياسي ولطبيعة المنظومة الاجتماعية وهيكل النظام الاقتصادي القائم ، وليس مستغربا ولا مستهجنا أن تجد أن هذه المحطات المفصلية عبارةعن محطات مد وجزر ، محطات أزدهار وتقهقر ، تقدم وتراجع ، لان هذا المخاض والتذبذب المرحلي في ظرف ما وزمن ما ، يأتي في سياق طبيعي لما تمر به الدولة من ظروف ومنعطفات بسبب ظروفها الداخلية والظروف الدولية المؤثرة فيها سلبا أو ايجابا . قوة ومتانة أي نظام سياسي أو أي دولة ، يقاس بمدى قدرته /قدرتها على امتصاص الصدمات في الظروف غير الطبيعية التي قد تواجهها ، ومدى قدرته/قدرتها على الاستمرار بتوفير الحد المقبول من الاستقرار والامن الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للمواطنين ،وهذا لا يتأتى الا من خلال كفاءات علمية وعملية وخبرات تراكمية لقيادات الصف الاول ، تعتمد أولا على المكاشفة والصراحة والشفافية والعدالة وثانيا على خطط عمل بديلة وجاهزة للتطبيق على مستوى ادارات الدولة المختلفة . فأسلوب الادارة بالفزعات ليس هو الحل الانجع ولا هو الحل الذي يمكن أن يأتي بالنتائج المرجوة . أخطر ما يمكن ان تواجهة الدولة - أي دولة - هو فقدان الثقة بين المواطن والمسؤول ، وهذا الانحدار بمستوى الثقة مؤشر خطير وذو نتائج كارثية ، وهو لا يأتي بين ليلة وضحاها ، بل يأتي عبر اختبارات عديدة تبدأ بوعود والتزامات تقدمها وتعلن عنها الدولة تجاة مواطنيها ثم لا تلتزم بما جاء فيها ، وقد تتنصل منها لاحقا أو قد تلجأ الى تقديم الاعذار الواهية وغير المقنعة لعدم الالتزام ! ويكون هذا المناخ غير الصحي نتيجة طبيعية لتغول السلطة التنفيذية على السلطات الرقابية ( سلطات تشريعية وقضائية ) أو قصورا ذاتيا من تلك السلطات بعدم ممارسة الأدوار المنوطة بها ، مما يعني عمليا الدخول في مرحلة جديدة عنوانها اقصاء القانون وعدم تطبيقة بعدالة ، ويشكل مرتعا خصبا لتجاوزات من قبل بعض المسؤولين سواء من خلال الفساد المباشر أو غير المباشر وبصور عديدة منها استثمار الوظيفة والاعتداء على المال العام ويقود الى تنامي ظاهرة المحسوبيات والشللية والطائفية والاقليمية وحتى المناطقية الضيقة . في ديمقراطيات العالم العريقة ، يتم تعظيم الثقة بين الدولة ومواطينها من خلال تطبيق القانون بشكل عادل وبدون استثناءات وعلى كل المواطنين ، فأمام القانون يصبح أي مسؤول مهما علا موقعة الوظيفي مواطن عادي يتم استجوابة والتحقيق معة ، وقد يؤدي ذلك به الى تقديم استقالته وترك المنصب – وقد يسجن - اذا ما ثبت عليه شيء من لائحة الاتهام . لا يوجد عندهم مجاملة في تطبيق القانون ! فداخل حدود دولهم ومع مواطينهم ، ديمقراطيون حتى العظم ، وقد تجدهم أبعد ما يكونون عن الديمقراطية في سياستهم الخارجية التي تقوم على مصالح دولهم ومصالح مواطنيهم !!! فهذا لا يعيبهم في شيء ! في دول العالم الثالث ، المعادلة مقلوبة تماما في أغلب الاحيان ، فالانظمة والدول تمارس أقسى أنواع الضغط والدكتاتورية بحق مواطينها في الداخل ، وتلعب دور الدول الديمقراطية والدول المتحضرة في تعاملها الخارجي ! واذا ما حصرنا الحديث الان بالدول العربية ، فهذه الدول مثال حي على هذا التناقض الغريب والعجيب ، فالدساتير مكتوبة منذ عقود ولا داعي لتعديلها لمواكبة مستجدات العصر ما دامت الشعوب المنكوبة بحكامها تلهث وراء رغيف الخبز وأقصى طوح لديها أن لا تضطر للتسول يوما ما !!! والقوانين محفوظة بالادراج تطبق على فئة ولا تطبق على فئة أخرى !!! مزاجية مؤلمة ومقززة لدرجة القرف ! الانظمة الجمهورية العربية التي يفترض أنها تطبق الديمقراطية من خلال مبدأ تداول السلطة عبر انتخابات دورية ، رابضة على صدر الشعوب لعشرين وثلاثين وأربعين عاما ، فالرئيس هو القائد الاوحد ، وهو القائد الرمز وهو القائد الضرورة وهو هبة الله للشعب !!! والانتخابات الصورية التي كانت تجري لاعادة انتخاب الرؤساء كانت نتائجها تقفز فوق حاجز 99% ! واذا ما طالب أحد بالتغيير أو الاصلاح أو العدالة ، فهذه مؤامرة خارجية تستهدف البلد ومصير الوطن ومستقبل الشعب !! واذا تحرك الشعب للتغيير وازاحة الرئيس ، فالمعادلة من منظور الرئيس وعائلتة وحاشيتة ستكون اما نحن أو تدمير البلد – سياسة الارض المحروقة - !!!!! ان الاوان للحكام لكي يدركوا أن حاجز الخوف لدى الشعوب قد انكسر ، وان نماذج التغيير التي حدثت – على صعوبتها وقسوتها والثمن الباهض التي تم دفعة – ستكون حافزا لمزيد من الحراك في دول أخرى ، فالعاقل من اتعظ بغيرة ،وعزز ثقة شعبة به وبحكمة ، ووفر على نفسة ووطنه اراقة الدماء والخراب والتدمير ، والانتقال الموضوعي نحو الديمقراطية أصبح ضرورة وليس ترفا فكريا أو تنظيرا سياسا ، ولا ينبغي أن يغيب عن فكر الحكام والرؤساء العرب أن الحلفاء الغربيين هم حلفاؤهم ما داموا بسدة الحكم وممسكين بزمام السلطة ، ومع اول بادرة ومؤشر على التغيير في دولهم ، سيكونون أول من يطالبونهم بالتنحي واستبدالهم باخرين .