جرش

جرش هدوء تحته  بركان

 

عاطف عتمه

 

استغرب أن تهمش محافظة كبيرة تاريخا ومكانة ورجولة كمحافظة جرش ، والتهميش طال كل القيادات التي انتمت للوطن ، ودافعت عن كيانه ووجوده طيلة السنوات التي رافقت تأسيس الدولة وبنائها ، يطالب كثيرون من أصحاب الحناجر المرتفعة بحقوقهم المنقوصة ، ويعتبرون أن المناطق البعيدة وأطراف الدولة استأثرت بالحقوق وحازت كل الميزات والأعطيات  ، وإما أصحاب الحقوق المنقوصة في الوطن ورغم أن بعضهم  أصبح خطا احمر ، واحتل قدسية الهاشميين ، في كونهم صاروا عصيين على المحاسبة ، واستأثروا بالمزياّت والعطايا وكل مكتسبات الدولة ، بينما بقيت محافظة كجرش بشتى أصولها ومنابتها مهمّشة كل عقود التأسيس الماضية .

إن استعراض تاريخ المحافظة وما حازه أبناؤها من مراكز بالدولة لا تسد الرمق ، لان اغلبها من الفئة الرابعة فما دون ، لا تساوي ما حازه دفتر عائلة  واحد يجمع الأب وإلام  والأبناء والبنات  ، بل أن بعض البيوت فاقت ذاك كله ، ولا ضير في ذاكا لان العائلة المذكورة والتي لا حاجة لذكرها أكثر ولاءا وانتماءا من محافظة بقضها وقضيضها !

لقد مضى على تهميش المحافظة سنوات عجاف طويلة ، وبيعت المحافظة للمستنفذين والفاسدين وأعوانهم ومسامير الصحون والخزمكيه ( بالكاف البلدية ) والمقامرين ومشتري الضمائر والمتنفعين الساقطين ، وأصحاب حراك جبناء منافقين  يعرفون طريقهم إلى الكتف  ، بمعنى حينما خرج حراك الإصلاح الحقيقي اختبئوا في الدكاكين يتفرجون ويستمعون إلى خطاب وصراخ البائسين الوحيدين المتحركين بلا هدف !

ولقد بيعت النيابة سنوات طويلة للمزورين وخزمكية ( بالكاف البلدية ) المتنفذين وبيعت العينية لأعيان يعودون إلى جرش في زيارات قصيرة أثناء الانتخابات فقط ليفسدوا ضمائر الناس ،  وسكت الشرفاء واسكتوا ،ونكّلوا فيهم حتى إلى مناسبة وطنية لم يدعوهم ، وكرت الطبيخ بعثوه لمن هم دونهم .

نستذكر المرحوم حسين الكايد الذي طوته الأيام وغيره كثر من الشرفاء النظفاء الذين حقا لم تنحن رؤوسهم إلا لله ورقدوا في بيوتهم وابتعدوا عن العامّة  وانثنوا على أنفسهم وخويصية أنفسهم إلى إن ماتوا على فراش الموت لم يعرف احد بموتهم ، لأننا نعيش عصر زنا الغني وموت الفقير اللذان  لا يعرفان !

لقد عرفت جرش طيلة السنوات الماضية أنها المحافظة السكينة الهادئة الهبلاء ولذا استعملوها كحقل للتجارب ، لذا استعملوها لإنجاح تجربة أول امرأة محافظ ، فوضعت رجلها وقفزت إلى ظهر جواد الوزارة وكانوا لها الركاب والسرج ، ونقلوا إليها العديد من الحكام الإداريين سيئي السلوك  والجدد الذين لايفقهون بالحاكمية ، ورمجوا أبناءها بلا جريرة اجتروها ولم تشفع نظافتهم وصلاحهم ، حتى أن احدهم طردوه بالإشاعة ، وأخر لم يسمحوا له أن يكمل تقاعد الضمان مدة الأربعين يوما ليحرموه ، واستعرضوا الأمناء العامين فلم يصل أمين إلى هذا المركز إلا كان ركابه إلى الوزارة إلا أبناء جرش  .

لم يكن أبناء جرش يوما ولا زالوا إلا الأوفياء المدافعين الموالين للرسالة الهاشمية  ومبادئها ، وقد قدموا التضحيات تلو التضحيات عبر التاريخ وكانوا الرجال حقا ولا زالوا الأشداء حقا ، وفيها سوف التي يقول الفلاحون : أنها تحتل بريطانيا بوفاء رجالها وعزمهم وصلابتهم وكرمهم ، وفيها الشراكسة والأكراد والشوام والبدو والفلاحون وعشائر أبناء فلسطين ، فسيفسائية الاطياف والهوى والحب .

لا تراهنوا على هدوئها الذي طال وطال وصمتها الذي ما عزب عنه مثقال ذرة من سماجة الحكومات واستظراطها  ، إنني أتحدث بلسان حالهم ، وانبش ما تحت الرماد الذي يقبع فوق بركان هادر !