|
يستحق العقد الثاني من القرن الحالي أن يوصف بأنه عقد الإخوان المسلمين بامتياز... سيصلون السلطة في عدد من الدول العربية، وسيشاركون فيها من موقع قوة في عدد آخر منها، وستكون لهم كلمة مسموعة من مواقعهم في المعارضة، حيثما تعذر عليهم مغادرة خنادقها لأسباب شتى.
هذه باختصار، ومن دون «تزويق» أو «تجميل»...من دون مبالغة أو تهويل، خلاصة القراءة الموضوعية لسياقات الأحداث والتطورات، قبل ربيع العرب، وبالأخص بعد اندلاعه...لقد جاء زمن الإسلاميين لممارسة حظوظهم في الحكم والسلطة، بعد أن أتيح لقوميين ويساريين ووطنين ورجعيين وعملاء وأباطرة، أن يتعاقبوا على السلطة (السلطات) في 22 دولة عربية، خلال الأعوام الخمسين والستين الفائتة، أي منذ الاستقلالات الوطنية الأولى.
لم تعد ثمة عوائق جدية تحول دون ذلك...هم القوة الأكثر تنظيماً...هم الأقلية الأكثر تنظيماً إن شئتم الدقة...لا يتمتعون في غالبية الدول العربية بغالبية حاسمة أو راجحة، بيد أن غيرهم لا يتمتع بذلك أيضا، مع فارق نوعي مهم، لصالح الإخوان، أنهم المنظمون والموحدون، فيما الاخرون، منقسمون على أنفسهم، مفتتون ومبعثرون.
لقد سقطت الفزّاعات...ولم يعد بمقدور «الحاكم العربي» أن يلوح بورقة «التهديد الإسلامي»...هذه اللعبة لم تعد تنطلي على أحد...لقد أشعلت واشنطن، ومن خلفها عواصم الغرب بمجمله، الضوء الأخضر أمام مشاركتهم في السلطة، بل وتوليها إن دعت الحاجة، ولكن عبر صناديق الاقتراع كما هو معلوم، وبطرق سلمية، ومن ضمن سياق ديمقراطي، تختلف الآراء والتقديرات، بصدد مدى عمقه وأصالته وجذريته.
وتظهر عشرات الوقائع والمعطيات، من داخل ويكيليكس وخارجها، أن اتصالات تمهيدية ومشاورات ومفاوضات، هي أقرب لاستطلاع الرأي وقياس درجة حرارة الماء، قد جرت بالفعل بين فروع إخوانية عديدة، وممثلين عن واشنطن وعواصم الغرب، ولقد ظهر أن نتائج هذه الإمتحانات، قد جاءت لصالح الإخوان، وعظّمت فرص صعودهم صهوة صناديق الاقتراع، واعتلائهم كراسي الحكم والسلطة في غير دولة عربية.
والراهن أن الإسلاميين، أظهروا من قبل ومن بعد، براغماتية مذهلة في التعامل مع التطورات...ومن يظن أنهم يقيدون أرجلهم بـ»سلاسل الثوابت» و»ضوابط العقيدة»، يخطئ بعض الشيء في تقدير الموقف...فبعضهم دخل في حلف غير مقدس مع الولايات المتحدة وتماهى معها وهي تخوض أبشع حروبها في العراق...وبعضهم يفعل شيئاً مماثلا الآن على الساحة السورية...وبعضهم لا يتوانى عن التحالف مع إيران...وآخرون يتحدثون بكثير من التبجيل عن «الشيخ» اسامة بن لادن، الذي وإن اختلفنا معه، إلا أننا نقدر جهاده، هذا هو لسان حال بعضهم، أو غالبيتهم على أية حال.
وفي الجانب المدني والاجتماعي، ينقسم الإسلاميون، حتى من داخل الخط الإخواني، إلى مدارس وتيارات...من يقرأ البرنامج الانتخابي لحركة النهضة في تونس، يُذهل من حجم التطور في الخطاب المدني الديمقراطي للإسلاميين...أنا شخصياً، أجدني متفقاً مع غالبية فصول ذلك البرنامج، وهو إلى جانب العدالة والتنمية في المغرب، يشكلان «المعادل العربي» للإسلام السياسي الأردوغاني...حتى أنني لا أبالغ إن قلت أن الإسلاميين المغاربة، يقفون في كثير من الحقول، على مسافة خطوات، أمام حزب العدالة والتنمية التركي، وليس وراءه، كما هو حال الإسلام السياسي المشرقي عموماً، ودائما يدور الحديث عن التيار الإخواني بخاصة.
لست هنا بصدد إعطاء موقف من هذه الظاهرة وحراكها...بل وأحسب أن ليس من الأخلاقي إطلاق أحكام ومواقف في هذا المجال...الإسلاميون تيار عريض في الشارع العربي، وهو تيار أصيل فيه...
ولست هنا بصدد إطلاق النبؤات حول مصائر الإسلاميين أو المنطقة تحت حكمهم...فهذا أمر متروك للتجربة ذاتها، وفي ظني أن الإسلاميين قد ينجحون في تقديم نماذج أفضل من كثير من بعض نماذج الحكم ، سواء لجهة حفز النمو ومحاربة الفساد وإحقاق العدالة الاجتماعية، أو لجهة اتّباع سياسات خارجية أكثر استقلالية وصلابة.
قد يقال أن الإسلاميين، خاضوا تجربة الحكم، وكان حصادهم منفّراً وكارثياً...في ظني أن غزة في حصارها والحرب عليها، لا تصلح كنموذج للقياس أو الحكم على التجربة...أما بقية التجارب، فمن حق إخوان المشرق وإسلاميّ المغرب العربيين، أن يقولوا بأنها ليست تجاربهم، وأن من قادها لا ينتمي إليهم، يستوي الأمر في السودان وأفغانستان وإيران.
مثل هذا السيناريو الراجح، بكل الحسابات والمقاييس، يدفعنا لاقتراح الشروع في حوار أكثر عمقاً، حول قواعد اللعبة السياسية والديمقراطية في بلادنا...فنحن نغادر حقبة بقواعدها وقوانينها، وندخل حقبة جديدة، من دون أن نرسي لها قواعد وأسس متفق عليها...في مصر، اندرج الجدل حول هذه المسألة في الحوار حول الدستور والمبادئ «الفوق دستورية»...وفي تونس ثمة تنظير مهم للغاية حول هذه المسائل، وفي المغرب ثمة أمر شبيه به...أما في الأردن، فإن الحوار لم ينطلق بعد، وما يدور على ساحتنا أقرب للنكايات والمناكفات، في ظل ضعف القدرة «التنظيرية» للحركة الإسلامية، وعزوف قادة الفكر من خارجها، عن الدخول في سجال فكري وسياسي عميق، تأسيساً على تجارب هبط فيها السجال، مستوى وسوية، قبل أن يبدأ، ليستحيل حفلات شتم وردح، تُقرأ كالمكاتيب، من عناوينها.
|