عمر الشريف وفرنسواز ساغان وبولانسكي!
اخبار البلد-
لمخرج الكبير البولوني، رومان بولانسكي، فاز مؤخراً بعدة جوائز من «سيزار» الفرنسية المرادفة لجوائز (الأوسكار) الأمريكية. وبدلاً من تهنئته، يدور في الأوساط السينمائية الفرنسية والثقافية شجار لمنحه أي جائزة، بل حتى ولذكر اسمه كمرشح لجائزة، وهو الذي سبق له اغتصاب قاصر وغير ذلك من الفضائح الجنسية كمتحرش.
ميمي ماتي دافعت عن منح بولانسكي جائزة من «سيزار» وكان ذلك في برنامج تلفزيوني يقدمه يان بارتيز. وكان رأي ميمي ماتي أنه لا بد من فصل الإبداع عن السلوك الشخصي لصاحبه. وسبق أن شاركتْها في الرأي النجمة كاترين دونوف، ولكنني أتساءل: لو أن بولانسكي كان قد اغتصب ابنتها، هل كانت ستظل على رأيها بضرورة (الموضوعية)؟
خاف من العقاب و«العدوانية النسائية»!
وعلى الرغم من الجوائــز التي فاز بها فيلم رومان بولانسكي، إلا أنه لم يجرؤ على الذهاب لتسلّمها ولم يحضر الحفل، فقد خاف من تظاهرات الناشطات النسويات ضده وهو المتهم بعدة تهم باغتصاب القاصرات.
فرنسواز ساغان وقاتلها
شاهدت فيلماً وثائقياً عن حياة الكاتبة الفرنسية (فرنسواز ساغان 1935 ـ 2004) التي حصلت على الشهرة الأدبية قبل أن تبلغ العشرين من العمر، حين صدرت روايتها «صباح الخير أيها الحزن» ـ 1954 ـ وصدر لها بعد ذلك العديد من الروايات الأقل نجاحاً، ولم تعتبر من أهم أدباء فرنسا التاريخيين لأنها انشغلت عن الأدب بحبيب يدمر عشاقه اسمه «المائدة الخضراء»؛ أي القمار.
ربحت وخسرت وقيل إنها تعاطت المخدرات، لكن المائدة الخضراء دمرت إبداعها وحياتها وأذلتها، اشترت بيتاً قرب (الكازينو) الذي كانت تقامر فيه في دوفيل، حدث لها ما يحدث لمعظم المدمنين على القمار: خسرت مالها وباعت بيتها وانتهى بها الأمر مريضة في بيت صديقة كانت معجبة بها وصارت تذلها وماتت في المستشفى وحيدة… وإلى جانبها عاملتها المنزلية… أما ملايين المعجبين فيعلمون أن مبدعهم مات وحيداً ويطالعون الخبر ولكن في اليوم التالي في الصحف. وإذا كان بولانسكي عوقب على تسببه بالأذى لنساء اغتصبهن فإن ساغان عوقبت حين استسلمت للمائدة الخضراء.
عمر الشريف وشياطين «البريدج»
كرست مجلة «تيليستار» الفرنسية غلافها الداخلي الأخير لصورة اللامنسي عمر الشريف، وكتبت عنه تحقيقاً جميلاً بعنوان: «آخر الأمراء»، مشيرة بذلك إلى دوره في فيلم «لورنس العرب» حيث نال عليه جائزة في مهرجان كان الفرنسية، والأوسكار الأمريكية. وبعدها مثل دوراً لا ينسى في فيلم (د. جيفاكو) 1966. كما مثّل مع بربارة سترايسند فيلم «فتاة مرحة» 1968. ولكن كبار المخرجين لم يتبنوا موهبته (أمثال سبيلبرغ، وسكورسيز، وكوبولا، وسواهم) لأنه انشغل عن فنه وإبداعه بالمائدة الخضراء وصار بطلاً في لعبة (البريدج) لا في فيلم آخر مبدع.. ويأسف كثيرون لذلك على ميشيل شلهوب (الاسم الحقيقي لعمر الشريف) وهو من أسرة شامية/لبنانية/مصرية، فقد كان ممثلاً مبدعاً حقاً.
أيام فاتن حمامة والتفوق
حين أكون في بيروت أحرص على مشاهدة بعض الأفلام العربية القديمة في قناة «كلاسيك» التلفزيونية، وشاهدت فيلماً لعمر الشريف مع فاتن حمامة ولاحظت الفرق الشاسع بين تمثيل عمر الشريف الراقي المبدع ومبالغات فاتن حمامة، على الرغم من تلقيبها بسيدة الشاشة العربية.
عمر الشريف منذ بداياته كان ممثلاً كبيراً، لكن عفاريت المائدة الخضراء حرمته من إبداعه فيما بعد. مات في القاهرة، ويذكرنا موته بمشهد موت يوري جيفاكو في رواية باسترناك الرائعة.. التي نال عليها جائزة نوبل للأدب.
كان لا بد لعمر من الشهرة العالمية كممثل، وكان لا بد له من التشرد بين الموائد الخضراء في باريس ودوفيل الفرنسية (حيث كانت فرنسواز ساغان تقامر أيضاً).. وانتهى الأمر بتدميرهما الذاتي لموهبتهما.
أكره القمار ومناخاته
حين كنت مقيمة في لندن دعاني إلى العشاء عربي في مركز دبلوماسي كبير وهو صديق لوالدي، وكانت الدعوة في مطعم لندني شهير مكرس للأعضاء في ناديه. بعد العشاء اصطحبني إلى صالة القمار فيه، وصار يقامر ويربح وأنا أتأمل ما يدور بنفور. أما هو فقد اعتبرني أجلب الحظ له. المقامر شخصية طريفة، إذ يتفاءل أو يتشاءم ممن يرافقه، وصرت مدعوة مزمنة على العشاء في المطعم الفخم لأنه توهم أنني أجلب له الحظ!
ولكنني أدركت مدى نفــــوري من القمار حين كنت وأسرتي نصطاف في «مونتي كارلو». ذهبنا (للفرجة) على الكازينو لا أكثر، وتفرجت أيضاً على وجوه المقامرين وتذكرت أن دستويفسكي، الروائي الروسي الشهير (صاحب رواية الأخوة كرامازوف)، كان مقامراً وكتب رواية «المقامر» انطلاقاً من تجربته الشخصية ومعرفته بمشاعر المقامر.
ماري ترنتينيان والموت ضرباً
بعض المبدعين يدمرون أنفسهم بالقمار كساغان وعمر الشريف، أو بالشهوة الجنسية مثل بولانسكي، ومن ضحايا العلاقات الخطرة علاقة ماري ترنتينيان ابنة الممثل الفرنسي الشهير جان لوي ترنتينيان، حيث رافق ماري عشيقها المغني برتران كانتات إلى موقع تصوير فيلم لها، وكانا يتعاطيان معاً المخدرات والكحول، وفي ليلة جنون تشاجرا وضربها عشيقها المغني برتران كانتات حتى الموت وحوكم ودخل السجن لسبعة أعوام بتهمة القتل غير المقصود. وحين خرج من السجن لم يعد بوسعه العودة إلى الغناء في المسارح، إذ كانت تظاهرات المؤسسات النسائية تسد مداخل المسرح تماماً كما يحدث هذه الأيام لبولانسكي.
الوعي النسائي ضد العنف الذكوري الجنسي أو الاغتصاب صار سلطة لا مرئية تعاقب المذنب حتى ولو دخل السجن كعشيق ماري ترنتينيان، أو هرب منه كبولانسكي، وبعض المبدعين يدمرون أنفسهم، وكل على طريقته.