" البلطجة " هيّ جذب الأمور عكس التيار الآمن والمستقر ..!!

 

هل وصلت بنا المواصيل للتعامل مع حرية المواطن لهذه الدرجة من التهميش .؟ بل وتجريده من أدنى حق له في البوح عن ألمه وتأوهه .؟ أم أن التأوه أصبح جريمة غير قابلة للإستئناف أو التمييز في ظل هذه الظروف القاهرة التي استباحت الساحة العربية بكل عنفوان ..؟ وجعلت من دماء الأبرياء وسيلة دعائية قذرة لبعض الفضائيات والمواقع الاخبارية المغرضة من أجل تقليب الفكر والوضع العربي عكس التيار الذي يجلب له الأمن والأمان والعيش بكرامة الإنسان ..؟؟

نقدّر أن الواقع العربي بدأ ينحُ منحناً جديداً من التغيير وخاصة مع بدء ربيع الغضب الشعبي على مستوى العالم العربي بشكل عام ، بعد أن بدت عليه ملامح الخروج من بؤرة الخنوع والذل الذي كانت بعض الأنظمة تتشبث بها كوسيلة ضغط للمحافظة على مناصبهم ، فبدأت هذه الشعوب بكسر حاجز الخوف الذي ولد معها منذ الأزل والافصاح عن آلامهم التي طالما أوجعتهم وأيقضت مضاجعهم دونما قدرةٍ على التأوه أو التعبير عما يثقل على الصدور..!!

القارئ للتاريخ العربي جيداً ، يرى المفارقات العجيبة في التركيبة السياسية العربية وانقسامها بين معسكريّ التسليح  ألأميركي والروسي " الاتحاد السوفييتي سابقاً " ، وفكرهما المتناقضان الطيموقراطي والاشتراكي والذي تأثرت به وبصورة غير مباشرة أو مباشرة أنظمة وسياسات الدول العربية كلٌ حسب مصدر تسليحه .. إلى أن أطيح بمنظومة الاتحاد السوفييتي وبدات بعض هذه الدول العربية تغزل لطرفي المعسكر الغربي والشرقي ..!!

ولقد فقدت الأمة العربية إثر ذلك الكثير من مبادئها العربية الأصيلة ذات الكيان الواحد ، وتشتتت بين مبادئ وأفكار المعسكرين حتى طالت السياسات فيما بين أطراف المنظومة العربية بشكل عام ، مما أضفى عليها إعيائاً شديداً لم تستطع علاجه أو التخلص منه حتى يومنا هذا ، والذي أدى بالتالي إلى اضعافها وإبقائها مشتتة غير قادرة على لمّ شملها تحت لواء واحد ومضلة واحدة ، بل كلما توجهت نحوّ الوحدة العربية ، يذهب الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة ويفتعلون ما قد يفرق أو يدمر مشروع الوحدة العربية من جديد ..!!

الثورات العربية أو ما سميّ بالربيع العربي ، لم تكن شرارته الأولى تونسية أو مصرية ولا حتى عربية إطلاقاً ، بل غربية صهيونية بامتياز ، فالاستقرار العربي الآمن يعني فقدان موارد التسليح العربي الضخمة ، وفقدان توازن اقتصادياتها التي تعتمد على التصنيع العسكري بالدرجة الأولى ، وهذا هو السبب بعينه الذي من أجله احتلوا العراق ودمروا مقدراته حينما لاح في الأفق بريق أمل لقوة عربية ضاربة في المنطقة قادرة أن تكون قوة عسكرية عظمى في الشرق الأوسط قد تمحو حليفتها وابنتها المدللة " اسرائيل " عن خارطة الشرق الأوسط " ..!!

وبعد أن فقد الحل العسكري الثمار التي كانت مامولة وترجوها أميركا واسرائيل بعد الصمود الشرس في الحرب على غزة ، وعدم قدرتهما على النيل من نار الانتفاضة الفلسطينية ، وخلق الذرائع لعدم إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على أرض فلسطين والقدس الشريف ، دأبوا وكعادتهم التاريخية إلى مفهوم  " فرق تسد " ولكن بقالب جديد " جوّع تسد " ، فدابوا على دعم بعض الأنظمة المخلخلة في قمع شعوبها لتقوم هذه الشعوب فيما بعد وبعد أن تفقد السيطرة على ذاتها إثر الفقر والحرمان على سياسات أنظمتها وتسود الفوضى في الشارع العربي ، ويكون الاقتتال الدموي هو الحل الأمثل  لاشعال نار ثورتها ، وزرع الفتنة الطائفية والاقليمية فيما بين الشعوب كما حصل في لبنان منتصف سبعينيات القرن الماضي الذي أنهكته الحرب الأهلية والطائفية أكثر بكثير مما خلفته الحرب مع العدو الأوحد للأمة العربية "  اسرائيل " .

وها نحن كأمة عربية نسعى إلى تنفيذ مخططات الغرب واسرائيل الدموية على أنفسنا وبأيدٍ عربية مئة بالمئة وبسلاح المعسكرين الغربي والشرقي الذي كنا نتهافت على الحصول عليه ، فدماء الأبرياء من أبناء أمتنا العربية باتت تسفك في كل مكان ، والأمن والأمان أصبحا مفقودان وقد يرحلان من غير رجعة إذا ما صحونا من غفوتنا ..!! 

أما ساحتنا الأردنية والتي شهدت نهضة غير مسبوقة على مستوى الوطن العربي عبر العقود الخمس الماضية وبكافة الأصعدة المختلفة ورغم شحّ مواردها والتي إن توفرت لن تتعدى جزءً يسيراً من متطلبات الاكتفاء الذاتي ، على عكس من بعض الدول العربية التي تمتلك الموارد الضخمة التي من الممكن أن تجعل منها في مصاف الدول الصناعية المتقدمة إلاّ أنها لم تتجاوز حدود الدول المستهلكة بعد ..!!

لذلك إن الاتهامات الجزافية التي تطلقها بعض الألسنة المغرضة بحق الوطن ، ما هيّ إلاّ أكاذيب وافتراءات ودسائس يراد منها النيل من أمننا واستقرارنا وتحويل هدوئنا واستقرارنا إلى فوضى وساحة غضة لنواياهم النتنة . ولكن سيَّعي المجرورون خلف هذه النفس المريضة ، أن الأفعال التي يسعى هؤلاء إلى اثارتها في الشارع الأردني عبر مسيراتهم هي " البلطجة " بعينها التي يتهمون بها جزافاً أجهزتنا الأمنية التي تسعى على الدوام على شيوع أمننا واستقرارنا ، ولم يكتفي هؤلاء أيضاً بهذا ، بل دابوا على الدخول في مكونات  " مجتمعنا العشائري " الذي كنا وما زلنا نتباها به ، وبصورة باتت أقرب وصفاً من " العصابات " لإبعادها عن هدفها الأساسي الذي يدعو إلى لُحمة أبناء العشيرة والوطن نحوّ فض النزاعات وزيادة في تواصل الأرحام وسداً منيعاً لسياج الوطن وحماية نسيجه الشعبي من الدسائس المغرضة التي أبداً لم تكن سوى زعزعة أمن الوطن واستقراره ، مستغلين في ذلك ثغرات خلفها تراجع الأوضاع الاقتصادية التي طالت العالم بأكملة قبل أن تطال الوطن ..!!

 ولكن صلادة سياج هذا الوطن ونسيجه الاجتماعي المنيع ، وتماسك مكوناته ، لن تنال منها فنون الدسائس التي اخترعوها ، وأن كل هذه المجريات ما هي إلاّ سحابة صيف عابرة أفرغت كل ما في جعبتها من أمطار موبوئة ، وغمتها في طريقها بإذن الله إلى الانكشاف ..!!

akoursalem@yahoo.com  م . سالم عكور