الدور المرسوم لمفتي سوريا
بدأت تتضح ملامح اللوحة الأخيرة لهذا الموسم من الحضارات المتواترة حكما، حيث لا يمكن النظر للأحداث والتراكمات المنفردة دون النظر الى اللوحة كاملة بكل أحجارها ومواقعها وطرق احتضانها للقطع الأخرى، فاللوحة الأخيرة انتهت بتشكيلة فسيفسائية جمعت عدة أحداث ومشاريع لصناعة الثوابت ولصقها وأمعنت في إبراز مسببات هذه الأحداث وثوابتها.
ففي الحالة السورية وعندما يخرج علينا وزير الخارجية السوري قبل يومين وهو متأبطا شرا ويده على أزرار بنطاله لا يبالي بأن يظهر كل عورات النظام السوري في وجه العالم (وهو بالمجمل عورات).. حينها يمكن اعتبار أن البلطجة أصبحت سياسة و خطوة ماكرة محسوبة بإتقان وللنظام السوري براءة الاختراع فيها.
ولكن حين يهدد مفتي الجمهورية العربية السورية بعمليات انتحارية في العمق العالمي.. فهذا يجعلنا نرفع أنظارنا عن الفضاء السوري (المشّلط) لنضع الحجر الأخير في اللوحة الفسيفسائية العامة لتكتمل الصورة، فهذا التهديد قد يعني تطورا في البلطجة وعولمة لها.. ولكن ما يخيف في هذا التهديد ويجعله ذا حجم آخر ويجعلنا نراه أهم من تهديد المعلم بأن المتحدث هو مفتي أهل السنة في سوريا..
فماذا يعني أن يكون المفتي هو المتنطح الشعبي بالدفاع عن النظام السوري العلماني الصبغة والطوباوي النزعة..؟، وما الذي يدفع بهذا المفتي لكي يعطي التهديد صبغته العقائدية فيستكمل الحلقات المفقودة لدى الكاظمين الغيظ علينا كمستفتيين من هذا المنبر أومن شبيهه وبانتظار الحجر الأخير في اللوحة.
يمكننا أن نقرأ اللوحة الآن مجتمعة الأحجار ومتجانسة الألوان.. فالمفتي السوري ربما لم تساعده إمكانياته العقلية في استيعاب أسباب اختياره هو بالذات لنقل رسالة بشار بعد أن فقد هذا المفتي ثقة الشعب فيه نتيجة التحاقه بركب الشبيحة (متعربّشا وهويشّا) .. ولكن لفهم مدى دهاء النظام في اختيار المفتي لهذه المهمة علينا الانتقال الى أحداث 11 سبتمبر التي تلازمت فيها النتائج بالخراب وسقوط العراق ولبنان وسوريا والمشروع العربي الحضاري مع تشكيل حالة الاستعداء الدائم والاتهام المستمر لنا، وكذلك علينا النظر الى أحداث تفجيرات الخليج في العقد الأول من القرن الواحد والعشرون والتي لا بد لها أن تكون على صلة وبشكل ما مع محاولات تخريب البحرين بواسطة شرذمة الدوار و(اللوفر)، وعينا أن نستفسر عن محركات معظم الأحداث المشابهة من تفجيرات كونية مثل تفجيرات لندن واندونيسيا.. فكلها أحداث كان المتهم الأوحد والخاسر الأكبر فيها نحن الأغلبية العامة في الوطن العربي أهل السنة وأصحاب المشروع الحضاري المفترض.
وهنا يتوجب علينا السؤال عمن اخرج المارد من القمقم ويحاول أن يركبه أو أن يلبسه، وهل هناك مارد أصلا..؟!، ومن أعطى القراءات المغلوطة والتفسيرات المحرفة للجهاد لكي يتغير المصطلح المحكم بالعدل شرعا وبالسلم نصا ليصبح سيفا مسلطا على أمننا نحن بالدرجة الأولى..؟
علينا أن نسأل عن المستفيد الأول أو المستفيدين بالجملة من أظهار ذقوننا وكأنها غمّست بالدم وكأن حضارتنا لا تقوم إلا بدفن الحضارات الأخرى، وعلينا أن نبحث عمن أظهرنا وما زال يحاول أن يرسمنا بعبعا ينام الأطفال في الغرب على وقع اسمه..
وهنا نجزم بأن المتهم الأول والثاني والأخير هو ليس نحن بالتأكيد ولا يمكن أن تكون عقيدتنا، فنحن لم نكن إلا شعوب مارست الحياة بكل حيادية وعقيدتنا فاقت التصور في مدى سلميتها وعدالتها ورقيها..ولكن من الذي استطاع قراءتها بالطريقة التي استطاع فيها أن يحرّف تألقها وتحضرها، وعمل على صياغتها بالشكل الذي استطاع أن يسوق من خلاله بعض أفرادها كما القطيع يقادون بواسطة أمراء الحرب الذين يعملون وهم (يعلمون أو لا يعلمون) لصالح أصحاب مشروع تدمير صورتنا وتشويه عقيدتنا وسحق حضارتنا..؟!
انه الثالوث المقيت (الغرب وإيران والعدو الصهيوني) الذي تناوبت أطرافه على اختراع وصناعة المارد والغول من بين أضلاعنا وفينا أيضا ولتقوم بعد ذلك بإخراجه ونفخه كالبالون ثم استدراج ظلاله وتسويقه.. ولا يخفى مدى خبث هذه الخطة التي جعلت مثلا طهران تتبنى القاعدة بعد غزو أفغانستان وجعلت أمريكا تدعم بعض الفصائل في الصومال ونيجريا وأفغانستان والعراق وجعلت العدو الصهيوني يصنع بالنتيجة جمهورية حزب الله في لبنان بصناعة الضد من الضد ويحاول بكل السبل ألا يخسرها.. إنها عملية معقدة أتقنها الجميع باستثنائنا نحن الذين تركنا أبنائنا الضالين بانتظار تعليمات (الجهاد) من الدوائر المغلقة التي تتحكم فيها بالنتيجة طهران وتل أبيب وواشنطن وأصبحت الإيحاءات تأتينا كما الوحي من خلف حجاب كما القطيع.
لنكن سوداويين للحظات وننظر بعين الريبة لكل المواقف التي انطلقت فيها الدعوات لحرق الآخر ولننظر لمن أعطانا عود الكبريت لذلك.. ولندرس خبث النظام السوري كمثال وكيف مرر الاملاءات على المفتي السوري للظهور بعمته وذقنه على المواقع الالكترونية ليهدد بتفجير العالم ونحن نعلم بأن بشار الأسد له الفضل الأكبر مع ولي نعمته في طهران في فتح باب التعاون السري مع كل شياطين الغرب والشرق لإخماد إشراقه الإسلام الحضاري الذي لن يخمد بعون الله.
جرير خلف