التفكير خارج الصندوق .. رب ضارة نافعة!



هل نجحنا في تخطي التهمة التاريخية التي لاحقت حكوماتنا المتعاقبة على مدى عقود فائتة والمتمثلة في اعتماد نمط تقليدي في التعاطي مع مختلف القضايا الوطنية؟

سؤال يفرض نفسه في ضوء التعاطي الحكومي المنفتح مع التطورات الجديدة، وفي مقدمتها الخطر الذي يتعرض له الوطن كجزء من العالم لوباء الكورونا؟

فالمدقق في تفاصيل المشهد يتوقف عند أسلوب جديد في التعاطي الحكومي مع المستجدات، يمكن أن يوصف بأنه «تفكير خارج الصندوق»، واستجابة للتحديات الكبيرة التي يواجهها الوطن، وتجاوباً مع الدعوات المتكررة التي وجهها الخبراء والمحللون السياسيون والاقتصاديون في مجال تقييمهم للقضايا الوطنية الكبرى التي وضعت اقتصادنا على منحنى خطير

فالتفكير المعمق، والتخطيط بعيد المدى، وتغليب الملف الصحي على ما سواه من ملفات مالية أو غيرها، والحزم المنطلق من تطبيقات لاستراتيجية وطنية واضحة المعالم ومعروفة للجميع، والحصول على التأييد الشعبي الواسع للمشروع الوطني ككل، وإشراك كافة المؤسسات المعنية بما فيها المؤسسة الأمنية والعسكرية الحائزة على الثقة المطلقة من قبل الشارع، وتجنيد كافة الإمكانيات البشرية والفنية والمادية، واختيار أساليب غير تقليدية في الوصول إلى الهدف السامي والمعلن... ومنها تأمين احتياجات المواطن الأساسية وإيصالها إلى بيته، كمتطلب لنجاح حملة المحاربة للفيروس اللعين... كلها عناوين رئيسة ميزت الأداء الحكومي، وحولت المشروع الكبير الى مشروع وطني يحرص الجميع على انجاحه

وعلى المستوى الشعبي، هناك التزام كبير بالتعليمات، وتفهم لكافة الظروف، ونبذ لأية ممارسات خارجة عن النظام العام. وإعادة صياغة للكثير من الممارسات من عادات وتقاليد شكلت عبئاً كبيراً على المجتمع

وهو مشروع يمثل نقلة نوعية إلى الأمام مقارنة مع ما كان يحدث في السابق، فعلى مدى ما يزيد عن عقدين فائتين، كان الأداء الرسمي محكوماً بنمط محدد يغلب عليه الطابع التقليدي، اتفقت عليه الحكومات المتعاقبة، وطبقته، ويتمثل باعتماد أقصر الطرق في الوصول إلى الهدف المباشر، بغض النظر عن أية نتائج جانبية يمكن أن تحدث، وأية آثار سلبية تتركها تلك الممارسات على المديين المتوسط والبعيد

ولعل ما حدث سابقاً في الملف الاقتصادي كقرارات، وفي البعد السياسي كنتائج، ما يمكن أن يكون مؤشراً قاطعاً على دقة تلك الفرضية. وعلى تجذرها في مجال الأداء، قبل أن تأتي «الجائحة»، التي نأمل أن نتخطاها دون أي ضرر، وأن تكون الفائدة منها نهجا جديدا يتعمق في مختلف شؤون الحياة، شعبياً ورسمياً

والمأمول ان يتعمق ذلك النهج شعبياً ورسمياً، بحيث يتعلم المواطن كيفية التعاطي مع الظروف الاستثنائية، ويلتزم بالضوابط الضرورية التي تتناسق مع النظام العام. وفي المقابل تستفيد الحكومة من تجربتها الاستثنائية، وتؤسس لنهج استثنائي يفيد الوطن في قادم الأيام. وبحيث يكون أسلوب «التفكير خارج الصندوق» نهجاً رئيسياً على مستوى الدولة. وتكون فرضية «رب ضارة نافعة» قاعدة تحكم تعاطينا مع مختلف الظروف