صالح القلاب يكتب : لـ «الإخوان»: صديقك من صدقك !



أنْ يعلن حزب «مايكروسكوبي» ,جرى استنساخه عن تنظيم لم يكن له مبرر لا وطني ولا قومي ولا أممي, مقاطعة الانتخابات البلدية وأيضاً البرلمانية فهذا أمر طبيعي إذْ أنَّ من ليس لديه القدرة على الفوز في انتخابات عريف صف في مدرسة ابتدائية فإنه أمر طبيعي أن يسعى للإعلان عن وجوده التنظيمي والسياسي بأن «يكبَّر حجره» ويهدد بأنه سيقاطع انتخابات البلديات وانتخابات البرلمان..ولله في خلقه شؤون!!.

أما أن يعلن الإخوان المسلمون باسم الحركة الإسلامية ,المقتصرة عليهم وعلى الوجه الآخر لعملتهم السياسية والتنظيمية حزب جبهة العمل الإسلامي, «تعليق» مشاركتهم في الانتخابات البلدية وعدم مشاركتهم في الانتخابات البرلمانية فإن هذا يدل على الارتباك وعدم الثقة بالنفس وإنه سيعزز القناعة لدى الشعب الأردني بأن هذا التنظيم التاريخي بات مثله مثل «الحُزَيْبات» الوهمية يتخذ مواقف سلبية ويتحصن بالانكفاء خوفاً من خوض معركة فاشلة.

لم يكن الإخوان المسلمون في كل تاريخهم الطويل على مثل هذه الحالة فهم زمن العمالقة من قياداتهم الراشدة ,التي كانت تقدم مصالح الوطن على الحسابات التنظيمية الضيقة والصغيرة وعلى الارتباطات الخارجية حتى بالتنظيم العالمي, كانوا دائماً وأبداً يتخذون مواقف ايجابية وهم دائماً وأبداً كانوا يتحاشون سياسة المزايدات وركوب الأمواج المرتفعة وهم دائماً وأبداً كانوا يحرصون على أن تكون الطرق بينهم وبين هذا النظام الذي هو نفسه ولم يتغير سالكة وآمنة.

لقد مرَّ الأردن ومرت المنطقة بظروف أصعب كثيراً من هذه الظروف الصعبة ,إنْ في العام 1957 وإن قبل ذلك وبعد ذلك, وكان الإخوان المسلمون في كل تلك المحطات المفصلية الهامة إيجابيون دائماً وهم لم يحاولوا استغلال الظروف ولا مرة واحدة والسبب أن قياداتهم كانت تحرص على الابتعاد عن المزايدات وعن ركوب الأمواج المرتفعة وكانت تنطلق من أن المصلحة الوطنية والتنظيمية تقتضي الاصطفاف دائماً وأبداً إلى جانب هذا النظام الذي بقي هو نفسه ولم يتغير والذي كان ولا يزال يتسم بالعقلانية والوسطية وتجنب العنف والذي كان ولا يزال متسامحاً يرفض الأحقاد ويتعامل حتى مع الذين يستهدفونه ويسيئون إليه على أنهم أبناء أعزاء لا يجوز استهدافهم لا بأرزاقهم ولا بحقهم في وطنهم ودولتهم.

لكن وللأسف أن هذا كله قد تغير وأن «معتدلي» الإخوان المسلمين أصبحوا يزايدون على متطرفيهم بحجة أنهم يريدون كسب «القواعد» التنظيمية من خلال تبني مواقفها الأكثر تشدداً وبحجة أن التحالفات السابقة قد تغيرت والحقيقة أن كل هذه الأعذار ليست مقنعة لا لهم ولا للأردنيين فالصحيح هو أنهم غدوا مختطفين من قبل حركة «حماس» وأصبح ولائهم لها أكثر من ولائهم للوطن الأردني والدولة الأردنية والصحيح أيضاً هو أن قياداتهم الجديدة لم تستطع إدراك استحقاقات المراحل المستجدة فلجأت ,لارتباكها وحيرتها, إلى الذهاب بعيداً في التطرف وفي العدمية والسلبية ونسيت أن احتضان هذا النظام نفسه للظاهرة «الإخوانية» منذ البداية وعلى مدى أكثر من خمسين عاماً هو الذي أوصلها إلى ما وصلت إليه من قوة تنظيمية وسياسية.

والمفترض أن يدرك الإخوان المسلمون أن مواقف «الحرَد» السياسي هذه وأنّ حمل السُّلم بالعرض على هذا النحو وأن ركوب موجة المزايدات والتحالف إما مع باحثين عن الزعامة بأي ثمن وإما مع أحزاب مجهرية لا وجود لها على أرض الواقع سيكون ثمنه أن حركة التاريخ سوف تتجاوزهم وأن مستجدات الألفية الثالثة سوف تفرز بديلهم الإسلامي كما أفرزت ظاهرة حزب العدالة والتنمية في تركيا وكما ستفرز في سوريا ظاهرة تنظيمية إسلامية غير الظاهرة القديمة والدليل أن «الإخوان» السوريين أعلنوا مسبقاً تبنيهم للتعددية السياسية وتبنيهم للدولة المدنية ورفضهم للاستفراد بالحكم حتى إن كانوا قادرين عليه وهم غير قادرين عليه.

إنها لحظة قول الحقيقة ولهذا ,ولأن الإخوان المسلمين الذين تراجعوا كثيراً سياسياً وتنظيمياً هم التنظيم الوحيد الذي يحتفظ بباقي ما تبقى من شعبية متآكله, فإننا نقول لهم أن عليهم أن يتداركوا أوضاعهم المتهاوية وإن عليهم ألاّ يكونوا عبئاً على إخوانهم في سوريا وفي غير سوريا وإن عليهم أن يراجعوا علاقاتهم بحركة «حماس» المُصِرَّة على تحالفها مع إيران والمُصِرَّة على الانحياز إلى هذا النظام السوري الذي ولغ في دماء شعبه حتى الثمالة والذي باتت أيامه قليلة حتى وإن هو اعتقد أن بإمكانه تجاوز هذه التحولات الهائلة بالطريقة نفسها التي تجاوز فيها أحداث «حماه» في العام 1982.. وصديقك من صدقك.. ويشهد الله أن الحرص على الأردن أولاً وعلى هذا التنظيم التاريخي ثانياً هو دافع ما كنا قلناه سابقاً وما نقوله الآن وما سنبقى نقوله إلى أن نصْطدم بما ينطبق عليه بيت الشعر القائل:

لقد أسمعت لو ناديت حيّاً

ولكن لا حياة لمن تنادي