اغتيال الشخصية وأثر الذئب
اغتيال الشخصية وأثر الذئب
صُدم الشعب الأردني بنتيجة التصويت التي صدرت عن مجلس نوابه يوم مناقشة قانون مكافحة الفساد رقم 23، والذي يقضي بمنع ما يسمى اغتيال الشخصية، ومعاقبة من يفعل ذلك بالسجن وغرامة بعشرات الآلاف من الدنانير. وكان قد سبق هذا القانون الصادر بأشهر، مطالبات رسمية من أعلى المستويات بعدم اغتيال الشخصية أو الاتهام من غير دليل !
ويبدو هذا الطرح (أي عدم الاتهام أو اغتيال الشخصية من غير دليل) منطقياً للوهلة الأولى، حتى بالنسبة لنا نحن كمطالبين بالإصلاح؛ فكيف نتهم مسؤولاً ونحن لا نمتلك عليه وثيقة أو إثبات؟
لكن بتفكير بسيط بهذه المسألة، وطبعاً هي تستحق تفكير عميق وإشغال الذهن، فنحن نتحدث عن وطن بأكمله، بخيراته ومقدراته وشعبه وسياسته ومستقبله وأجياله، وعن ثورة على الأبواب تتقدم ساعة بساعة! ونعود، لكن بتفكير بسيط في هذه المسألة، سنجد أن المطالبة بعدم اغتيال الشخصية، معناه اغتيال وطن بأكمله في سبيل عدم المساس بشخصية فاسد، وهو فساد وجريمة بحد ذاته. وذلك لسببين رئيسيين، هما :
- الأول: أن كثير من المتهمين بالفساد في الأردن تم إثبات فسادهم وجرائمهم، بالوثائق وبالأحداث المعاشة وغيرهما، ومنها على سبيل المثال لا للحصر: جرائم حوض الديسي وأراضيه وما يتصل به، موارد، الكازينو، مصفاة البترول، سكن كريم، وغيرهما الكثير.
- الثاني: وهو الأهم، فيما يتعلق بمن يتهمون بالفساد والسلب والنهب، ولكن بعدم وجود دليل عليهم، فهذا لا يعني براءتهم، أو أنهم فعلا لم يقترفوا ما تم اتهامهم به (إلا من كان بريئا طبعا)؛ ومسكين جداً، بل ومتواطئ بحق الوطن من يسلم بذلك ! لأننا في هذه المسألة نتحدث عن ما تسميه العرب (أثر الذئب)، وربما جميعنا ندرك المقصود بذلك؛ وهو أن الذئاب عندما تهاجم الأغنام وتفترسها، تقوم بذلك في ظلمة الليل ودون أن يراها أحد، وفي الصباح يجد صاحبها، أن أغنامه تناقصت، وأنه تم افتراس عدد منها دون أن يجد الذي افترسها، ولكنه عرف أن الذي افترسها هو الذئب بناءاً على أثره المتبقي ومعرفته المسبقة به.
ونحن كذلك أيضاً مع الفاسدين وفسادهم، فنعم أننا لم نشاهد بعضهم وهم يسرقون وينهبون، ويرتكبون الجرائم المختلفة، لكن أثر جرائمهم واضح وباقي، ومعرفتنا ببعضهم كأصحاب سوابق وزعران ومرتزقة ومتسلقين ونفعيين، تجعل مهمة البحث الجنائي في اكتشاف جرائمهم ليست بصعبة، بالرغم من أن مهمتنا مع هؤلا المجرمين أصعب من مهمة صاحب الأغنام مع الذئب، لأنهم من فئة المجرمين الذين (بعرفوا يسرقوا .. وبعرفوا يخبوا) ويمتلكون أدوات ووسائل وأجهزه وأشخاص يعملون على إخفاء أثارهم الجرمية، كما أخفت أغنام عبد الله بن أبي بكر، أثر أبيه مع الرسول عليه السلام وقت هجرتهم (مع اختلاف الشخوص والقضية طبعاً) بل ويمتلكون السلطة ذاتها، والتي تتيح لهم التصرف كمن يتصرف في بيته، وهو بذلك ليس بحاجه إلى كثير من العناء من أجل إخفاء جرائمه.
إذا نتحدث عن أثر الذئاب الأردنية وغير الأردنية التي تفترس الوطن عبر عشرات السنين، والتي لم نشاهدها وهي تنهش جسد الأردن، لكننا شاهدنا أثر المخالب وأثر الأنياب، وأثر الدماء، فنشاهد بل نعايش في كل يوم، الجوع والفقر، والظلم، والواسطة، والمحسوبية، والعنصرية، وتفتيت الوحدة الوطنية، وطمس الهوية الأردنية، وتجنيس الآلاف، وتردي المنظومة الاجتماعية، ومقتل المئات في حوادث السير، وهذا بعض من أثر تلك الذئاب التي أفسدت مؤسسات الدولة، ونهبت وسلبت، فكانت هذه بعض من نتائجها.
ومن ثم بعد ذلك يقومون بطمس تلك الآثار من خلال وسائل إعلامهم، ومروجيهم، وتحدثهم عن نسب استثمار، وإقامة مشاريع، وإحصائيات كاذبة، وتزايد عدد السياح، وجلب مستثمرين، وإقامة مهرجانات التزحيج والتصفيق، وما غير ذلك من الخدع والفبركات التي تمرر على الشعب الأردني.
وأما لماذا يتهم الشعب هؤلا الأشخاص بالذات (أي الساسة والمسؤولين) فهذا طبيعي جداً، وإلا فلمن يمكن نسبة تهمة فساد مصفاة البترول ؟ إلى مزارع يقبع في الأغوار؟ أم إلى بائع متجول يبحث عن قوت عياله؟ والى من يمكن توجيه تهمة فساد الكازينو؟ إلى عجوز ترقد على فراشها في معان، أو الزرقاء، أو جرش ؟ أم إلى صبي في مدرسة ابتدائية، وكل ذلك هو مشابه تماما لاتهام صاحب الأغنام للذئب، وليس للأرنب أو القطة أو الغزال.
وفوق كل ذلك، فقد ذكر لنا التاريخ أنه تم اتهام واغتيال شخصية واحدا من أعظم شخصيات وحكام العالم، وهو خليفة المسلمين عمر بن الخطاب حين وقف رجل من المسلمين وعمر يخطب على المنبر، محاسبا عمر ومتهما إياه بأنه اخذ ثوبين من الأثواب التي وُزعت على المسلمين آنذاك، في حين أن بقية المسلمين حصل كل واحدا منهم على ثوب واحد؛ ليتبين أن عمر كان قد لبس ثوب ابنه عبدالله في ذاك اليوم، ولم يأخذ ثوبا ثاني كما ادعى ذلك الرجل، ومن ثم لم نسمع أن عمر أمر باعتقال ذلك الرجل، أو أمر بمنع اغتيال الشخصية. وبالتأكيد لن يكون هؤلا الفاسدون أجل ولا أعظم من عمر رضي الله عنه، حتى يطالبوننا بعدم ذكر فسادهم غير المنظور.
نقول للمساكين من أبناء شعبنا الذين اقتنعوا بوجوب وجود دليل على الفاسدين، أن الذئاب حين تفترس فريستها لا تُشاهد، ولكن يُشاهد أثرها، ونقول للمتنفذين والساسة المطالبين بعدم اغتيال الشخصية :... (ما بشهد للعروس غير أمها وخالتها وعشره من حارتها).
Ahmad.Alrababah@kermalkom.com