الانتخابات وأثرها على الروابط الاجتماعية

 

لو رجعنا في ذاكرتنا الى ما قبل اربعة عقود مضت ، وتصفحنا الروابط الاجتماعية بين ابناء القرية الصغيرة انتقالا للمحافظة الواحده ثم للقاعدة الاوسع البلد بكامل محافظاته وسكانه وبكافة اصولهم ودياناتهم ، لوجدنا ان الروابط الاجتماعية بين ابناء البلد الواحد كانت تقوم على اسمى وارفع علاقات الود والاخاء والنخوة والفزعة والشهامة والرحمة ونصرة المظلوم وردع الظالم عن ظلمه ،

 وكان الاباء والاجداد في علاقاتهم وتوادهم وتراحمهم كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، وكانت العشائرية بكبار رجالها وأخلاقهم وسعة صدورهم ورجاحة عقولهم وحكمتهم ، هي صمام الامان وهي المحرك الرئيسي لكل الروابط  والاخلاق الحميدة التي كانت تسود بين الناس في تلك الفترة ،

وكانت كل عادات واعراف وقوانين ابناء العشائر تسير بخط متوازي مع انظمة وقوانين البلد ، وكانت دائما خير معين للحكومات في القضاء على كل اشكال العداء والبغضاء والفرقة بين ابناء البلد ، حتى ان العشائرية كانت خير من استطاع نزع فتيل الشر والتعامل مع كثير من القضايا التي عجزت عنها الحكومات وقوانيها المدنية في اوقات معينة وساعدت في انهائها بكل كفاءة واقتدار وعلى مبدأ لا غالب ولا مغلوب .

 

واذا رجعنا وتفحصنا هذه الروابط الاجتماعية من اربعة عقود وحتى هذه اللحظة وقارناها  فيما سبق ، اكون مجحفا بحق العشائرية ان قلت انها لم تعد موجودة ، ولكني اقول ان هنالك تراجع وفتور وقطيعة موجودة بين ابناء العشائر والحمائل ، وحتى احيانا بين افخاد العشيرة الواحدة ، وتتضح معالم هذه القطيعة وما يتبعها من توتر في العلاقات بين ابناء القرية الواحده كلما اقبلنا على الانتخابات ، سواء  انتخاب المجلس التشريعي ( النواب ) او انتخابات المجالس البلدية  ، ويرجع الامر في ذلك  لاسباب كثيرة منها :-

*ابتعادنا عن قيم ديننا الحنيف

* تعقيدات ومتطلبات الحياة المبالغ فيها وسياسة المحاكاة في ظل الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن والتي ادت الى تمرد بعض ابناء العشائر على عشائرهم وخروجم من عباءة العشيرة

* غياب قيم العدالة والانصاف في فكر ونهج  كثير من الحكومات المتعاقبة ان لم تكن كلها

* انتهاج فكر وسياسة ما يدعى بالديمقراطية التي تقوم على مبدأ حكم الشعب للشعب وقيام الحكومات بشحن الشعوب للتنافس المحموم على انتخابات المقاعد النيابية والمجالس البلدية ، وعلى مبدأ          ( تلبيس الطواقي ) حيث ان هدف الحكومات من هذه الديمقراطية القاء حمل ومسئولية وفشل أداء هذه المجالس على الشعب ،

 

لا شك ان الشعوب الغربية جاءت بالديمقراطية كنهج وفكر لتخرج من حالة الظلم والاستبداد التي كانت تعيشها هذه الشعوب في السابق ، في ظل غياب قيم الدين والاخلاق والعدالة والانصاف وانتشار طبقة الاقطاعيين في مجتمعاتهم هذه الطبقة التي كانت تتحكم في كل شيء وتستولي على كل خيرات البلاد ، ثم تأسست التكتلات الحزبية المختلفة من هذه الشعوب لتجميع وتوحيد صفوفهم وكلمتهم ليستطيعوا الوصول للحكم والمساهمة في لعب  دور جوهري وهام في ادارة شؤون بلدانهم ، لذا لا نستطيع ان ننكر عليهم ديمقراطيتهم فهنيئا لهم بها  .

 

اما تطبيق الديمقراطية الغربية في دول يغلب عليها الطابع القبلي العشائري لتفرق الصفوف وتوئجج نار الفتنه والعداوة بين من هم اصلا متحدين ومترابطين تحكمهم قيم واخلاقيات الدين السمح ، وقيم وعادات وقوانين العشائرية النبيلة التي لا يمتلكها الغرب ، فهذا امر يستحق المراجعة ،

الا تؤدي الانتخابات في بلداننا الى تقطيع الروابط والعلاقات الاجتماعية الطيبة النبيلة بين ابناء العشائر في القريه الواحده اوالمحافظة الواحده ، وعلى ( وجه الخصوص ) في المحافظات ذات الثقل العشائري والتي تقوم فيها الانتخابات على مبدأ ( عد ارجالك ورد الماء )

الم تؤدي هذه الديمقراطية الى تقطيع روابط القربى والارحام حتى بين افراد العشيرة الواحدة والامثلة كثيرة ومنها ترشخ اثنان اخوة في المفرق للمجلس النيابي في دورة سابقة ،

 هل هذه هي الديمقراطية التي ننشد ، وهل وصول شخص ما لمنصب رئيس بلدية من خلال انتخابات تقوم على مبدأ تكريس فكرة العشيرة الغالبة يحقق المساواة والعدالة والانصاف في توزيع خدمات البلدية وامكانياتها ، اذا كان يعلم من وصل لهذه الوظيفة انه وصلها من خلال عشيرته وليس ابناء بلدته ، وهل عطاء هذا الشخص في هذا المنصب سيكون منزها من التمييز والتحيز بين من كان سبب في وصوله للمنصب وبين بقية ابناء البلدة الواحدة الاخرين الذين كانوا ينافسونه ويزاحمونه على هذه الوظيفة او هذا المقعد ،

اليس من باب اولى على  كبار ووجهاء وعقال العشائر في هذه المحافظات ذات الطابع العشائري الذين كانوا فيما مضى يحلون اكبر المشاكل والخلافات ان يجتمعوا على كلمة سواء ، اليسوا هؤلاء بقادرين على طرح من يرغبون ان يستلم هذا المقعد او ذاك  ويزكوا احد الاسماء المطروحة من ابناء البلد الاكفاء واصحاب القدرة الاخلاقية والعملية في تسيير شؤون هذا المقعد او تمثيلهم في ذالك المجلس ، حتى ينطلق من اساس راسخ بأنه كلف من كامل ابناء بلدته او محافظته بحمل امانة ومسئولية هذا المقعد  ليقوم بخدمتهم على الوجه الانسب والامثل وبما يرضي الله وعباده ،

 هل كبارنا وعقلائنا ما زالوا قادرين بحكمتهم وادراكهم وسعة صدورهم ورجاحة عقولهم ان يصلوا لهذا الامر لما فيه من ترسيخ وتوثيق لكل  مبادىء وقواعد المحبة والايثار بين ابناء العشائر ، وعلى مبدأ اعطاء الفرصة للآخرين من ابناء البلدة او المحافظة في دورات اخرى وضمن وثيقة اتفاق عشائري وبرنامج واضح للجميع ،

وهل ابناء العشائر ما زالوا على نفس الدرجة من التوقير والتكبير لاصحاب الرأي والمشورة والقيادة ليقروا ما يتفق عليه الكبار ويسلموا به دون نفور او خروج عن كبارهم ووجهاء عشائرهم ،

 وحتى ان خرج نفر على رأي الجماعة اليس ابناء العشائر في هذه البلدة اوتلك المحافظة قادرين على ان يحققوا ما اتفق عليه الكبار وان يلتزموا بالوثيقة المتفق عليها بينهم ، حتى لو اضطروا لخوض الانتخابات بسبب نفور البعض ليكون في النهاية الخارج عن الصف هو الخاسر وليكون عبره لغيره في دورات ومواقف اخرى

اليس هذا النهج هو قمة الديمقراطية التي يروجون لها ، واكثر الاساليب نجاحا لانه يصب في مصلحة الوطن والمواطن ويعظم الدور الايجابي للعشائرية في خدمة الوطن وابناءه ،

ام ان الهدف من الديمقراطية خلق الفوضى وتمرد الفرد على الجماعة ونشر بذور الفرقة والبغضاء بين ابناء العشيرة الواحده ، وبين عشائر البلد الواحد ، والمجتمع الواحد ، وتمزيق النسيج الاجتماعي والقضاء على كل روابط التعاون والعلاقات الاجتماعية الحميده

اسئلة كثيرة نحن في امس الحاجة للوقوف عندها  !!!

حمى الله الوطن وأبناءه ووفق الله سيد البلاد الملك عبدالله الثاني وعلى طريق الخير سدد الله خطاه

 

انه ولي ذلك والقادر عليه