افركوا الملح في عين المحتكرين الجشعين
اخبار البلد ـ
رغم أن رئيس وزراء بريطانيا ونستون شيرشل، كان يطلق عليه بسخرية وخفة لقب الرجل الفقير شبه العاري، إلا أن (المهاتما غاندي) أغنى أسفار التاريخ بروحه النضالية التي لم تكسر، وسطر بمداد عنفوانه الصامت مجداً لقوة الإنسان، ومعنى إرادته حينما يريد، وكسا لنا الكلمات العادية بأزهى المعاني الخالدة.
كلما تغول علينا المتغولون، أو ضبعتنا كواسر الضباع، أو احتكر لقمتنا الجشعون، أتذكر المهاتما غاندي (والمهاتما تعني الروح العظيمة)، ومسيرة ملحه الشهيرة في آذار عام 1930، حينما انطلق إلى البحر، لا للترويح أو الصيد، بل من أجل الملح، الذي احتكرت صناعته وبيعه بريطانيا، يرافقه العشرات من تلامذته ومريديه. هذه المسيرة شكّلت مفصلاً هاماً، وحلقةً قويةً، في تاريخ نضاله من أجل استقلال الهند.
وبعد 25 يوماً من المسيرة المضنية، التي قطعها غاندي متكئاً على عصاه، التي احدودبت، وما احدودب جسده النحيل، يصل مدينة (داندي) على ساحل بحر عُمان، وينحني ليلتقط بقبضته حفنة ملح قائلاً: (قد تُكسر القبضة التي تحمل الملح، لكن هذا الملح، لن يستسلم طواعيةً).
قريبا أو بعيداً من رمزية الملح ومعانيه، فقد تركت المسيرة أثراً عميقاً في عموم شبه القارة الهندية، وتابعتها الصحافة العالمية، ووبعدها قام أنصار غاندي بجمع الملح، وتوزيعه على الناس؛ لكسر طوق الاحتكار، فردَّ البريطانيون على ذلك بإلقاء الآلاف بالسجون، برفقة غاندي.
إلا أن الرجل ذا النظارات الصغيرة، والوزرة القطنية يكسب الرهان، وينجح بتعبئة مواطنيه لتشكيل حركة عصيان مدني واسعة، لم يشهد التاريخ مثيلاً لها، أدت بعد ذلك ب 17 عاماً إلى نيل الهند استقلالها.
غاندي بدأ حياة التقشف بنفسه، ودعا إلى النضال السلمي الذي جعل منه سلاحاً حاداً، ماضياً، في وجه بريطانيا، وللدلالة على رفضه للنظام الاستعماري الذي كان يحصل على القطن الهندي بتراب المال، ويحوله إلى قماش يُباع للهنود بأسعار باهظة؛ وهذا عاد إلى استخدام المغزل والنول؛ ليصنع ملابسه مطلقاً مبدأ: احمل مغزلك واتبعني.
في هذا الظرف العصيب. حيث بدأ البعض باحتكار السلع وبرفع اسعارها تحت وطأة الجشع والطمع سيكون علينا أن نستلهم قصص المناضلين البسطاء، الذي أحدثوا فرقاً في حياة شعوبهم، أمثال غاندي، الذي سيظل بمغزله، وقبضة ملحه، وجسده الرقيق نبراساً للحرية، والتحرر لكل الناس، التي تحارب بلقمة عيشها وحريتها.
نريد حفنة تنثر وتفرك في عين كل محتكر وعين كل من يثبت أنه يستغل حاجة الناس؛ ليرفع سلعته. هذا وقت يُظهر معادن الناس. فكونوا ذهبا أيها الأردنيون.