المندوب السام السامي – كورونا – ثور في دُكَّانْ
اخبار البلد-
لا نحتاج اليوم إلى سرد تأريخي لأزمات صحية ونوائب وأوبئة، قطرية أو أكبر. فالسجل القديم يشير إلى طاعون عمواس وأوبئة في بلدان أوروبية وآسيوية، والسجل الحديث الذي نذكره وعاصرناه في القرنين العشرين والحالي، دوّن في ملفاته أوبئة الكوليرا والحصبة والجدري والتيفوئيد واليرقان والسارس وأوبئة الخنازير والطيور وال HIV -نقصان المناعة المكتسب. وعملت الناس والأجهزة الصحية في كل بلد مصاب بها، على أخذ إجراءات فردية أكثر منها جماعية. وتكيفت الأمم والأفراد ومنظمة الصحة العالمية مع الأوبئة وتصدت لها. وبدون الدخول في شكوك المؤامرات. ولم يكن حينئذ للإنترنت ولا لحروب التجارة الباردة تفعيل وحشد وعدوانية، وخروج واضح عن العدالة ونواميسها، كما هي اليوم بين الأمم المتقدمة العظمى والأفراد.
لكن الإنترنت ووسائل الاتصال اليوم، كما هي أداة إتصال وتوعية، إلا أنها ساهمت في حشد الشكوك وضاعفت القلق والخوف، واختلفت الدول في مقدرتها على مواجهة أبعاد فيروس كورونا السام السامي، كما اختلفت مناعتها الاقتصادية والمالية والاجتماعية.
الأردن على ضيق ما باليد، إلاّ أنه عند التحدي الأسوأ، لا سمح الله، فهو صلب وقادر على مشقة الصمود وتحمل التحدي وأشواكه
فالدول القوية العظمى لديها أرصدة مالية ومؤونة ومختبرات أبحاث، وشبكات أمان مالية وصحية ومؤسسية، وشعوب عالية التعليم والعلم. ونشاهد اليوم أمامنا الحشد الكبير المؤسسي والصحي والمالي للرئيس الامريكي ترامب ورؤساء فرنسا وإنكلترا وأوروبا، لموجهة وباء كورونا. في حين أن الدول الفقيرة والنامية، ومنها الأردن، فحشدها وعجوزاتها تتفاوت ضخامة، كما تتفاوت القدرات، لكنها إجمالا عجوزات كبيرة وقدرات متدنية. ففي الأردن، ورغم تمتع بلادنا بوعي علمي تعليمي، وثقافي إلا أن اقتصاده في هذا الظرف الحرج، الذي يرضخ لضغوطات اقتصادية وعجوزات وعبء المديونية الكبير، سيواجه ضغوطات إضافية مالية واقتصادية ناجمة عن أبعاد فيروس كورونا- الثور في الدُّكَّانْ، كما يمكن وصفه. وأمام الأهل في الأردن، الآن، عمل فوري لحشد العقول والخبرات والإمكانات والترشيد في الاستهلاك. أولا: الحشد المعنوي المستمر للناس، والحشد الوقائي لتجنب المبالغات والتشكيك بالجهود الحكومية، والهرع لتخزين الدواء والغذاء، ومحاربة أي محتكر مستغل للظرف الضاغط على الفقراء، بحزم وبعصا القانون. ثانيا: في ضوء بيئة التعاون الأممي والحشد المالي الدولي لمحاربة الوباء، وفي ضوء ارتفاع عبء المديونية في الأردن (وفق المتوفر من معلومات، بلغ إجمالي الدين الخارجي سنة 2019 (12.4 مليار دينار ويقارب 39% من الناتج المحلي الإجمالي؛ وبلغت خدمة الدين الخارجي 2.1 مليار دينار وتقارب 7% من الناتج المحلي الإجمالي. وأمام "هذا الجزء” من التحدي العام، لابد من تحرك الحكومة وولاة الأمر فورا، بدون تردد للتواصل دوليًا مع الدول والمؤسسات الدائنة، والمانحة، كأمريكا واليابان وألمانيا والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي IMF والصندوق الأوروبي، في ضوء ما يتطلب الموقف من رصد أموال وحملات أمن اقتصادي، للوقاية وللعلاج والتحصين الداخلي، وفي ضوء إغلاق المنافذ للصادرات والسياحة تعزيزاً للمناعة، وفي ضوء ما سيظهر لاحقا من حجم تلك الأبعاد السلبية والكلف، فإن المنطق والحاجة جلية لمطالبة تلك الأطراف دبلوماسيا وبإصرار ومؤونة فكرية وشفافية هادئة مقنعةً لـ: إعفاء الأردن من المديونية الجزئي أو الكلي، وتأجيل السداد للأقساط والفوائد وإعطاء فترات سماح جديدة أطول، (ففي ذلك وحده تخفيض فعلي للفوائد والعبء)؛ ثالثا: تعزيز تنفيذ إجراءات تخفيض فوائد البنوك بتخفيض أكبر ملموس ليس فقط، على أفضل المدينين، كما علمنا مؤخرا، بل على الأفراد وصغار المقترضين كأولوية. رابعا: "تأجيل” تسديد اشتراكات الضمان الاجتماعي للشركات والأفراد لمدة ستة أشهر، ففي ذلك إبقاء لسيولة لدى المؤسسات والمواطنين، لمواجهة الظرف؛ خامساً: تجنب أي تسرُّعٍ في تفعيل قانون الطوارئ، فله كلف كبيرة على الحكومة، جراء توقع مطالبات المتضررين، التي يضمنها القانون لهم، إذ يكفي تنفيذ عصا قانون الصحة على من عصى، فهو قانون عرفي نافذ وكاف؛ سادسا: كان الأجدر بالمسؤولين ألاّ يُغْلَقَ التداول في سوق رأس المال كاملةً. فبالإمكان إيقاف قاعة التداول، منعًا لتجمع الوسطاء والمتداولين فيها، والإبقاء على نظام التداول الإلكتروني والتسويات عن بعد، إذ به حرية "لمن يرغب” بالتداول ويتيح سيولة وتداولا وتسويات ضرورية، عن بعد، بأمان من خلال مركز الإيداع، للمتعاملين الأردنيين والخارج. سابعاً: وبعد العمل على الجبهة الداخلية، وعلى نسق تحرك الدولة باتجاه الدول والمؤسسات الدولية المانحة والدائنة، لا بد من التحرك الفوري نحو إخوتنا العرب وصناديقهم الخارجية، وبالهدف نفسه، فهم إخوتنا وأولى بالوقوف مع الأردن، كدولة شقيقة وجارة متكاملة معهم في وحدة الخير والضرر. فالأردن على ضيق ما باليد، إلاّ أنه عند التحدي الأسوأ، لا سمح الله، فهو صلب وقادر على مشقة الصمود وتحمل التحدي وأشواكه. فأهله – جُنْدّ الأردن – واعون، محبون لبلدهم وإخوتهم العرب، ومستعدون للتضحية حفاظا على منعة البلاد، والله معهم ومع إخوتنا، ومع عباد الله الصالحين أجمعين، وهو خير الحافظين.