مشكلتنا مع الحكومة

يعقد رئيس الوزراء ثلاثة لقاءات بروتوكولية مع نواب الوسط والشمال والجنوب حول قانون الانتخابات النيابية والبلديات. ومع حسن النيّة بالتواصل، فلا شيء حقيقيا للشراكة في الحوار وفي القرار.
بدأت الحكومة بتصريحات حول احترام توصيات لجنة الحوار الوطني ثم أخذت تتنصل منها، بتلميحات "مواربة" حول خلل في النظام المقترح من اللجنة. وأنا أعرف أن أغلبية الوزراء وأغلبية أعضاء اللجنة الوزارية الخاصّة بقانون الانتخاب ليست لديهم فكرة محددة في الموضوع، وأن نصف أعضاء لجنة الحوار الوطني على الأقل دخلوا في تمارين معمقة حول المقترحات المختلفة كانت تؤهلهم للقرار أكثر من الوزراء المشغولين بألف قصّة أخرى في عملهم. ويكاد الأمر في الحقيقة أن يكون عند رئيس الوزراء شخصيا وهو أيضا منشغل بألف قصّة أخرى. وهكذا تكون القضية بين يدي أضيق إطار بيروقراطي يضرب طوقا من التكتم على أفكاره ونواياه.
من جهتي، أحاول قلقا أن أعرف ماذا يجري بالضبط، وأين هي المشكلة. لكن الرئيس يعطي تلميحات غامضة عن الخلل في مقترح لجنة الحوار والوطني. والحقيقة أن ثمّة خللا يخص فقط مقترح القائمة الوطنية، لكن الرئيس ينفذ من هناك لكي يتنصل من المشروع الأصلي والأوسع والخاص بمقاعد المحافظات القائم على التمثيل النسبي للقوائم المفتوحة.
لم تتح فرصة واحدة ولا لدقيقة واحدة لنتحاور مع أعضاء اللجنة الوزارية حول الأمر لنعرف ما هي ملاحظاتهم، عسى أن يكون لدينا رأي مفيد. والرئيس يقول إنه حمل أسئلة إلى الاجتماع مع لجنة الحوار ولم يسمع إجابات!! وأنا أعتقد أن رئيس الوزراء يمهد فقط للتنصل من مقترح اللجنة، فأنا مطلّ على أصغر وأدق التفاصيل؛ وعلى مدار شهرين تم إشراكي "كخبير" في كل الاجتماعات واللقاءات الكبيرة والصغيرة والجانبية لتمحيص كل جوانب المقترح، ومعالجة كل مشكلة، وتحديد الجواب لكل سؤال، ولا أعتقد أن الرئيس يعرفني بأقلّ من رئيس لجنة الحوار الوطني وزملائه، لكن من العجيب أن الرئيس يكتفي بالتقاط مقولات غير علمية وغير صحيحة تتناثر هنا وهناك، فيرددها تلميحا كمآخذ على النظام المقترح.
تلميحات الرئيس تدور الآن حول نظام "قريب" من نظام العام 1989 في المحافظات، والقائمة الوطنية المغلقة للمقاعد الخمسة عشر الوطنية، مع احتمال الدخول في مقايضة مع الإخوان المسلمين والمعارضة حول عدد هذه المقاعد التي يريدون رفعها إلى النصف.
وقد يصلنا مشروع الحكومة قبل أي مناقشة حقيقية معنا. وقد يقال لنا أنتم السلطة التشريعية وأنتم تقررون، فأقول إن هذا ليس صحيحا حسب خبرتنا في البلديات، لأننا محكومون بالنظام المقدم لنا ولا نستطيع تقديم أفكار جديدة مختلفة. وبهذه الحجّة التفسيرية للدستور أجهضوا فكرة المجالس المحلية المقترحة من النواب لقانون البلديات. 
لا أدّعي ان مشروع لجنة الحوار هو الصيغة الوحيدة الجيدة، وهناك بدائل قريبة تخدم ولو بدرجة أقلّ نفس فكرة التنمية والتطوير السياسي، لكن حسب خبرتي مع أصحاب القرار في هذا الشأن فهم يذهبون غالبا بالاتجاه المعاكس.