إزدواجية الجنسية والولاء في الأردن .. شومان وأبو غزالة نموذجا .... بسام بدارين

لماذا إفترضنا أصلا أن رجالا من طراز المصرفي الكبير عبد الحميد شومان أو رائد الملكية الفكرية طلال أبو غزالة مهتمون من حيث المبدأ بعضوية مجلس الأعيان الأردني حتى نستغرب إستقالة البعض من العينية لصالح الإحتفاظ بالجنسية الثانية؟.
.. أغلب التقدير أن رجالا من هذا الطراز قدموا {خدمات جليلة} جدا للبلد وللنظام حتى يتم تكريمهم بالعينية أو غيرها، وهي خدمات بكل الأحوال قد لا يعرف الرأي العام معظمها وكذلك لا يرصدها ألبعض وهم يدققون بقيد السجل المدني ودفاتر العائلة لمن إستقالوا أو لم يستقيلوا كما حصل بعد إستقالة خمسة أعضاء من المجلس العيني لإنهم يريدون الإحتفاظ بجنسيتهم الثانية.
..شخصيا أعرف فقط معلومات يسيرة عن شخص واحد من المستقيلين وطبيعة ممارسته مؤسسيا وشخصيا لمضامين الولاء والإنتماء للدولة الأردنية ودعمها في أحلك الظروف وبطريقة تنطوي على {زهد إعلامي} غير مسبوق وبدون تحميل جمايل أو تبجح أو إستغلال .. هذا الشخص عبد الحميد شومان.
وشخصيا أعرف كما يعرف الأخرون بأن العائد الإيجابي الصامت الذي حققه وأنجزه بعض الأعيان المحترمين لمصلحة البلد وبدون ضوضاء يفوق كثيرا عوائد كل ممارسي الولاء والإنتماء عبر المايكروفونات من إستغل بعضهم الدولة والخزينة والنظام وحققوا مكتسبات وإمتيازات خارج صناديق الإقتراع خلافا لمن إنسحبوا ببطء وبإحترام من المناصب بعدما قدموا الكثير الذي يعرفه الجميع ومن هؤلاء بدون شك طلال أبو غزالة.
لذلك أفترض ان نشكر لهؤلاء جهدهم ولو قليلا خصوصا وأننا نعرف أن بعضهم {أجبر} فعلا لا قولا على قبول الموقع حيث سعى لهم الموقع وليس العكس في الوقت الذي يعرف فيه من زج بأسمائهم في مواقع لا يريدونها في الواقع او لا يهتمون بها بأن لديه حسابات خاصة دفعته لممارسة هذا الزج.
سؤال آخر يلح علي وأنا أتابع الجدل الأردني حول الإستقالات وإزدواجية الجنسية: ألا يستحق من إستقالوا بشفافية من مجلس الأعيان {أنا لا أعرف أي منهم شخصيا} ولو قدرا من الإحترام بسبب وضوحهم وصراحتهم وتسارعهم في {الإمتثال} لمباديء النص الدستوري الجديد؟.
أليس من إمتثل فورا وبصراحة أفضل ولو بدرجة بسيطة ممن يخفي جنسيته الأخرى أو يهدد الصحفيين باللجوء للقضاء إذا سألوه عنها أو ممن يبحث عن وسيلة من أي نوع لطي الصفحة وكأنها لم توجد . أوممن ذهب للسفارات الأجنبية لكي يتوثق من ان قوانيها تتيح له التنازل عن جنسيته الأجنبية مؤقتا بحيث يستطيع إستعادتها لاحقا بعد الإفلات من المطب الدستوري الجديد.
إبتداء من قال لأحد في البلد بأن عبد الحميد شومان يمثل جماعة أو جزء من الشعب ؟ ومتى سمع أحد ما شومان نفسه وهو يدعي أنه يمثل طبقات محددة من المجتمع الأردني حتى يصبح وجوده في مجلس الأعيان إنعكاسا لتمثيل مفترض للناس؟..لم يدع شومان ذلك يوما وكل ما يقوله لنا يوميا وبصفة دائمة بإختصار: انا رجل أعمال ومال ومصرفي عربي أقود المؤسسة المالية الأهم في الأردن وأعبر عن إنتمائي للأردن وللملك بطرق متعددة يعرفها أصحاب القرار دون وقبل غيرهم .. ولست معنيا بأكثر من ذلك.
.. حتى ألأخرون في الأعيان ممن إستقالوا لا يدعي أيا منهم تمثيله لأي من الناس وبطبيعة الحال يتحمل من أختاروهم مسؤولية الإختيار فجميعنا نعرف بان توليفة مؤلفة من ترويكا ثلاث شخصيات بالعادة تجلس قبيل تشكيل أي مجلس لتقرر إقصاء فلان وتعيين علان والإعتبارات لا تكون دائمة وطنية أو تمثيلية بقدر ما تعبرعن الرغبة في مكافأة البعض احيانا أو تعكس شبكة مصالح.
لذلك أقترح بان الأفضل هو مراجعة آليات الإختيار نفسها ليس في مجلس الأعيان بل في جميع المؤسسات فهناك تكمن العلة والمشكلة والأزمة وليس في إختيار أدوات بائسة وغير منطقية للحكم على ولاء الناس وإنتمائهم بسبب مسألة الإزدواجية .
وبالنسبة لي أرفض مبدئيا مبدأ إزدواجية الجنسية وقد أتفهم مبدأ منع ولاية من يحمل جنسية أخرى لكني لا أفترض إطلاقا بأني كحامل لجنسية واحدة أعتز بها أكثر ولاء وإنتماء ممن يحمل جنسية ثنائية.
وأصل المشكلة برأيي لا علاقة لها بمن تخلى عن منصبه من اجل الجنسية فالجاسوس أو غير المنتمي ومزدوج الولاء قد يجلس بيننا دوما وهو يحمل جنسية واحدة فقط بدون الحاجة لجنسية أخرى تقدمه للواجهة وليس كل حملة الجنسية الأردنية فقط مفعمين بالولاء والإنتماء ويصلحون لتعليمنا الولاء في المدارس.
.. الجاهل في الإدارة والحكم عدو نفسه وعدو الوطن والناس وتأثير جهله علينا جميعا قد يتوازى مع تأثير الجاسوس ومزدوج الولاء..الرجل المتولي مسؤولية عامة عندما لا يكون في موقعه الصحيح والأنسب يحقق تأثيرا سلبيا على البلد أيضا ..مزدوج الشخصية ومتقلب المزاج الذي يبدل مواقفه حسب المصلحة لا يقل خطورة .
وللتذكير فقط يمكن إستحضار قصة الجنرال الروسي الشهير الذي تبين أن جاسوسيته للأمريكيين تركزت في نقطة {إدارية بسيطة} فالرجل كان يقصي الضباط ذوي الكفاءة ويغير في مواقعم ويعبث بقائمة التعيينات بحيث يضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب وبذلك يدمر إدارة الدولة الروسية من الداخل دون حاجة لتجسس مباشر.
.. احد الأصدقاء الذين أثق بهم قال لي بعد التعديلات الدستورية : لو إفترضنا ان جهة أو جهات دولية تتآمر على الأردن لما توقعت بالخيال أن تنتج المشهد الفوضوي الحالي في الإدارة الأردنية مهما بلغت من المهارة.
.. يبقى ان التخلي عن الموقع العام والقسم الدستوري لصالح جنسية أجنبية يثير الإستهجان والإستغراب فعلا لكن ما يثير الإستغراب أصلا وقبلا وأيضا هو إكتشافنا لهذا العدد من مزدوجي الجنسية في الإدارة العليا فمن الذي غفل عن ذلك من البداية ؟.. وهل كان غافلا فعلا؟.
والمسألة في النهاية تتعلق بأسس الإختيار من جذرها وبالأولويات وإن كنت أرفض بالتوازي التشكيك بنوايا الناس لمجرد تمتعهم بجنسية إضافية فالمبدأ الدستوري قرر كما ينبئنا بعض النواب الكرام {في غفلة} وفكرته{النيابية} على الأقل بسيطة وهي مناكفة مفترضة لطبقة الليبراليين ليتبين ان المسألة لا علاقة بالليبراليين فأي منهم لم يستقل بعد وأي منهم لم يتهم بعد بإزدواجية الجنسية .. يعني بإختصار دوافع النواب أصلا لم تكن كما يعتقد بعضنا وبين كبار المسؤولين اليوم من يقول لنا بالسر طبعا وبشرط عدم النشر بان المسألة كانت خطأ في التعديلات الدستورية يوجد مثله الكثير من الأخطاء والمطبات التي سنكتشفها لاحقا وقريبا وتحديدا بعد ستة أشهر.