حراك جمعة جرش بحضور امني راق
كنت أول من انتقد الخلل الأمني الذي حصل في جرش في عدم التمكن من وقف الاعتداء على الناشط السياسي المهندس ليث شبيلات ، وعدم التمكن من حماية وصون الحريات العامة ، من خطر الناس الذين تضيق عقولهم من ضيقي العقول ، أثناء محاضرة له في بلدة ساكب ، منطلقا في انتقاداتي لحكومتنا ، ولم يكن هذا النقد من باب التأييد للجماعات الإسلامية والإصلاح ، أو للشبيلات الذي كنا قد انتقدنا بعض ما جاء به من أفكار ، لأنه أيضا ليس عليّا على النقد وليس كلامه بقران كريم ، وليس بنبي معصوم أو ملك مقرب ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه او خلفة ، ولكن نقدنا بسبب حصول اختراق في حق الفرد في التعبير وخرم الحريات العامة والديمقراطية ، لان حرية التعبير السلمي مصونة بالدستور والقانون الأردني ، ولان الديمقراطية عماد نظام المملكة السياسي ، وهي محور الحياة السياسية عندنا ، وتقع مهمة أجهزة الدولة في حماية الديمقراطية والحريات وتهيئة بيئة التعبير السليمة .
إن وصف ما يجري من حراك في البلد لا يعدو عن كونه إيغال في استعمال حق التعبير السلمي والذي في أقصى أهدافه لا يستهدف النظام الأردني ، بل يرى إن وجود الملك ضرورة لا بديل عنها ، وإنما يسعى لتطوير الحياة السياسية وأسلوب إدارة الدولة وتفعيل المشاركة السياسية وتوسيع مظلتها لتشمل كل الأطياف في البلد .
لان المعادلة في الدول الديمقراطية ، والتي نحن نسير في قاطرتها ومن الدول التي تعتمدها كأسلوب حياة ، تترك الفعل لحركة النمو الطبيعية في البقاء للأصلح ولدورة الحياة .
تماما ، تشبه الأفكار السياسية الأشجار ، فالأشجار سميت أشجارا لان الريح تثير أغصانها فتصطك ببعضها وتتداخل فتتشاجر ، ولذاك ما سميت شجرة إلا لتشاجر أغصانها ، ومن ذلك ما جاء في كتابه العزيز : " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ..." الآية ، ووجه الشبه بين الشجر والأفكار السياسية يأتي من إن تلك الأقوى والأصلح والتي لها قدرة على الحياة في البيئة السليمة هي الابقى والأصلح ، كما أن الاختلاف في الآراء والشجار السلمي بينها ، وفي موقع الحوار لا الشوارع ينهي الغث ويبقي السمين منها ، و لكن في نهاية المطاف نقر في أن الحوار يغذ السير كماء الحياة للشجر فيوري ولكن الاحتراب والجدل يواري ، وخير مثال على ذلك طرحت العديد من الحركات المغلفة بالوطنية أفكارا إقليمية وكما نادى بها أشخاص مختلفون ، ولكن جميعها لم تصمد ولم تتمكن من البقاء وخسرت وتلاشت وتفككت ولم تتمكن من أقناع حتى الجهلة والأطفال .
لقد خرج العشرات بعد صلاة الجمعة في مدينة جرش في مسيرتين سلميتين ،انقسمتا إلى مجموعتين تجمعتا أمام مبنى البلدية ، دعت الأولى إلى الحفاظ على امن واستقرار الأردن والنأي به عن الفتنة والانقسام، وهتفوا للوطن وللملك .
أما المجموعة الثانية فقد دعت إلى تسريع عملية الإصلاح والحد من تعول الأسعار ضمن جمعة ( اجتثاث الفساد و البلطجة ) دعت إليها الحركة الإسلامية و تجمع أبناء جرش للإصلاح ، ورددت هتافات مختلفة ( اليوم الشعب يريد إصلاح النظام , و الإصلاح السياسي هو الحل الأساسي , بالروح بالدم نفديك يا أردن , ياللعار ياللعار باعوا الأردن بالدولار , ما بنحاف من الزعران , شعب جرش سير سير للإصلاح والتغيير , طاق طاق طاقية حكومة بلطجية, يا معروف ارتاح ارتاح ما أنت ناوي ع الإصلاح ).
من اللافتات التي كتبت ( شلت يد تضرب الأحرار, الشعب يريد محاسبة الزعران , الشعب يريد قانون انتخاب , الشعب يريد حماية البلاد , الزعرنة و البلطجة لن تخيف الأحرار).
وفرضت الأجهزة الأمنية حاجزا امنيا بين المجموعتين لمنع الاحتكاك بينهما الأمر الذي حال دون وقوع أي احتكاك ،وانفضت المجموعتان بسلام ، وكان الحضور الأمني لافتا للفصل بين المجموعتين ، بحضور ميداني لقائد إقليم الشمال العميد المميز فوزان ألعبادي والذي تميز بخلق امني راق ، إذ اصطحب شخصيا قادة الحراك إلى إن أوصلهم إلى سياراتهم وكذلك مدير شرطة جرش العميد احمد الدغيمات ، ونائب مدير شرطة جرش العقيد سفيان الغزاوي ، وكوادر الأمن الوقائي والبحث الجنائي وقوات الدرك ومختلف الأجهزة من مخابرات واستخبارات .
وإذا كنت أول الناقدين لما جرى لليث في ساكب فأنني أول المشيدين لما قامت به الأجهزة في جمعة جرش ، من فرض طوق امني وقائي فاصل بين الحراكين وحماية الجميع وعدم السماح للغوغاء والفوضى وحماية الحريات والديمقراطية ، ولكن للأسف هناك من أبدى عين السخط والنقد في ساكب ولم يبد عين الرضى والاعتراف في جمعة جرش ، ومن هنا فأنني أدعو للسعة وعدم الضيق ولنترك جميعا هوامش للجماعة الرحمة وليس الفرقة العذاب .