سوريا والأردن.. شقيقتان بعلاقات «معلقة»!
اخبار البلد-
تعبر أحادیث الملك عبد الله الثاني والرئیس بشار الأسد عن رغبة صادقة بعلاقات أردنیة سوریة وطیدة، حیث تندرج
زیارة وزیر الصناعة والتجارة إلى دمشق بھذا السیاق. وأملنا أن تكون العلاقات الأردنیة السوریة تلك المنتظرة مقدمة
لإعادة علاقات سوریا مع أشقائھا العرب. ولذلك مؤشرات كنت عرجت على بعض منھا في مقالي الأسبوع الفائت
.««القضایا العربیة - لا یحك جلدك إلا ظفرك
إلا وأنني في ھذه المساحة أحاول التركیز بشكل خاص على مسیرة علاقات الأردن وسوریا، وذلك منذ أن بدأت
.الحرب على سوریا
«2»
واضح أن الحرب المتعددة الأطراف على سوریا وبالرغم من العدوان التركي الذي لا یخفي مطامعھ العثمانیة والمدان
عربیاً، قد أصبحت بالھزیع الأخیر، وذلك بفضل صمود الشعب السوري الشقیق وبفضل إرادة وعقیدة جیشھُ العربي
.الذي لم یفرط بسوریا الوطن وبقي صامداً في وجھ «التسونامي» المستمر منذ ثماني سنوات
ُحاول ربط الموقف الرسمي والشعبي الأردني، الذي یُمكن أن أصفھ بالثابت المرن، فالأردن عمل جاھداً أن لا
وھنا أ
یكون طرفاً مضاداً لسوریا، ذلك أن شعبھ اكتشف أبعاد ما یقع على سوریا الشقیقة منذ الیوم الأول، فشكل دعماً
لسیاساتھ الرسمیة، حتى لا تنزلق وبالتالي عدم الانخراط باللعبة، وأن یبلور موقفاً متوازناً، جوھره ضرورة وقف
.الحرب واللجوء إلى «الحوار والتوافق» على أساس وحدة الدولة السوریة أرضاً وشعباً
ولذلك رفض الأردن اتخاذ أي موقف سیاسي أو عملیاتي ضد سوریا، برغم كل الضغوطات، تارة بالاغواء وتارة
اخرى بالعقاب، والتي سعت أن یكون الأردن مركزاً أو طرفاً في الحدث. وقد نجح وإلى حد معقول أن یوائم
بدبلوماسیة ھادئة، بین موقفھ الثابت من القضیة السوریة من جھة، وعدم الإصطدام مع أطراف عربیة ودولیة یرتبط
.الأردن بھا بمصالح لا بدیل لھ عنھا من جھة أخرى
«3»
وحتى لا یُصنف الحدیث بأنھ تبریر متأخر، أذكر بأن الأردن رفض أن تتورط قواتھ المسلحة، حیث اقتصر دورھا
ِ على اجراءات من شأنھا حمایة حدوده الشمالیة. ولم یغلق الأردن كذلك سفارة سوریا في عمان، كما أقدم على إغلاق
الحدود عندما سیطرت علیھا من الجانب السوري الجماعات المسلحة. وأن مواطني سوریا المقیمین في الأردن،
مارسوا حقھم بحریة، بانتخاب الرئیس بشار عبر سفارتھم في عمان. وأخیراً فان الأردن من أول من أدان التدخل
.التركي واجتیاحھ للأراضي السوریة
وأعتقد جازماً ومع تقدیري لما یرشح من عتب للأشقاء السوریین في بعض الأحیان، فان علاقات سوریا والأردن
.الیوم یجب أن تسیر قدماً نحو إعادة التواصل، وعلى كل المستویات الرسمیة والشعبیة
«4»
أما على صعید المجتمع المدني الأردني، فنحن في الجمعیة الأردنیة للعلوم والثقافة، كان لنا شرف الاستشراف المبكر
لما یجري، حتى اننا وفي ذروة الھجمة على سوریا بادرت الجمعیة بتاریخ 2013/6/18 وبتاریخ 2013/11/2 ،إلى
دعوة مجموعة كبیرة من مؤسسات المجتمع المدني وكوكبة من الأحزاب الوطنیة والقومیة والیساریة والإسلامیة، التي
ً أكدت بدورھا على ثقتھا بقدرة سوریا على تجاوز تلك المرحلة الصعبة، وأطلقت نداء لمناشدة أطراف المعادلة الوطنیة
لوقف الحرب، وأن تسعى جمیعھا إلى بلورة مشروع وطني سوري جامع، كما دعت إلى وقف التدخلات الخارجیة بالشأن السوري. وقد تم إرسال ذلك النداء إلى الحكومة السوریة، وطرحھ كذلك على المعارضة آنذاك، عبر استضافة
.لبعض رموزھا في عمان، وعبر لقاءات بعضھم الاخر على ھامش ندوات فكریة وثقافیة خارج الأردن
كما بادرت الجمعیة منذ نحو ثلاث سنوات، لتشكیل وفد یمثل الطیف الوطني الأردني السیاسي والاجتماعي والثقافي
.لزیارة دمشق، تأییداً لصمودھا من جھة، ودعماً لصیغة لقاء وطني یعید لسوریا أمنھا ویحفظ وحدة أرضھا وشعبھا
والحقیقة أن مبادرة ذھاب وفد إلى دمشق، لاقت في الأردن آنذاك ترحیباً شعبیاً واسعاً، كما لاقت استحساناً وقبولاً من
.لدن الإطارات الرسمیة العلیا في الدولة
إلا أن الجانب المؤلم، أن من كان معنیاً بالاتصال وتسھیل القیام بالزیارة في حینھ، لم یلتقط الرسالة المأمولة من ذلك
الفعل، ولم ینظر إلیھ بالأفق العروبي، الذي یجمع البلدین الشقیقین، وراح یتعامل معھا من زاویة باھتة تنقصھا إضاءة
.كافیة، لجلاء المشھد وغایاتھ النبیلة
!!..ورغم تكرار المحاولة إلا أن عدم القدرة على الفھم بقیت مسیطرة
«5»
الیوم، فان العلاقة مع دمشق لا یجب أن تبقى معلقة، فالشعب على حافتي الحد، لا یقبل أي مسبب أو تسویغ لعدم إعادة
التواصل بین البلدین الشقیقین إلى سابق عھده، فأشواقنا واحدة ومصالحنا واحدة لا تحتمل جفاء غیر مبرر. ولا بد من
.إعادة الحیاة لھذه العلاقات على الأصعدة كافة
***
وبعد، إن الأردن قادر على شرح طبیعة التماھي الكلي بین البلدین، وأن ھناك مصالح اقتصادیة ووشائج اجتماعیة،
غیر قابلة للفصم.. وتذكرون وبذروة الھجوم والحصار والمقاطعة على العراق، استطاع الأردن أن یقنع الآخرین بتفھم
موقفھ، وأن یحافظ على التواصل مع العراق وعلى كل المستویات. كما أن العرب لابد أن یعیدوا حساباتھم نحو الوئام
.« ِ والتوافق وترك الماضي وراء ظھره، فالعرب مھددون بطعنة نجلاء في قلبھم أي في «فلسطین
«والله والوطن من وراء القصد»