الدين الداخلي.. الواقع والاَفاق

اخبار البلد-

 
تصاعد وتیرة ارتفاع الدین العام خلال العقد الاخیر كانت واضحة في مختلف مكوناتھ ومن اھمھا الدین الداخلي الذي ارتفعت قمیتھ بالصافي من حوالي 8.6 ملیار دینار عام 2010 الى حوالي 5.13 ملیار دینار عام 2015 والى 5.16 نھایة عام 2019 ،ووفقاً لاخر البیانات الحكومیة فقد بلغ اجمالي رصید الدین الداخلي في نھایة عام 2019 أكثر من 7.17 ملیار دینار، أي ما یعادل 9.56 %من الناتج المحلي الاجمالي المعاد تقدیره لعام 2019 ،مقارنة مع حوالي 2.16 ملیار دینار أو مانسبتھ 1.54 %نھایة العام السابق، ومن الملاحظات المھمة فیما یتعلق بالدین الداخلي ھو تضاعف المتوسط المرجح لعمر القروض الداخلیة خلال اخر خمس سنوات، حیث ارتفع من 1.2 شھر/سنة عام 2015 الى 2.4 شھر/سنة عام 2019 ،ما یعني ان الاعباء المترتبة على الدین الداخلي سوف تظھر اثارھا خلال فترات زمنیة أطول، كما أن نسبة الفوائد التي یتم دفعھا على الدین الداخلي تصبح أعلى، فقد أشارت مصادر وزارة المالیة الى أن متوسط أسعار الفائدة التي جرى تحدیدھا عبر السوق، بلغت أكثر من 3.5 %على سندات 7 أعوام، و 3.6 % على سندات 10 اعوام، و 4.7 %على سندات 15 عاما، كما أن ھناك تطور اخر یلفت الانتباه ویتعلق بمصادر المدیونیة الداخلیة، حیث شكلت المصادر البنكیة حوالي 74 %عام 2015 وتناقصت بشكل واضح خلال السنوات التالیة لتصل نسبتھا الى حوالي 59 %عام 2019 ،أما المصادر غیر البنكیة والتي كانت حوالي 26 %عام 2015 ،فقد ارتفعت الى ما یقارب 41 %عام 2019 ،وقد یفسر ذلك بتوسع استثمارات صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي في السندات الحكومیة، والتي بلغ رصیدھا نھایة العام الماضي حوالي 7.5 ملیار دینار، حیث بلغت إیرادات محفظة السندات 230 ملیون دینار خلال أول تسعة اشھر من العام الماضي، وبنسبة 54 % من اجمالي .إیرادات صندوق الاستثمار فیما یتعلق بالجانب التشریعي فقد عرف القانون رقم 26 لسنة 2001 « قانون الدین العام وادارتھ» الدین العام بانھ الرصید القائم للالتزامات المباشرة وغیر المباشرة المقیم بالدینار الاردني غیر المسدد والمترتب على الحكومة دفعھ تسدیداً لالتزاماتھا، وقد صنف القانون الدین الى قسمین رئیسیین وھما الدین الخارجي،أي الدین العام الواجب تسدیده بغیر الدینار الاردني، والدین الداخلي، أي الدین العام الواجب تسدیده بالدینار الاردني. وقد شكل ھذا القانون في حینھ قاعدة لنقلة نوعیة في ادارة الدین العام، حیث تم توضیح الاغراض التي یقتصر علیھا الاقتراض الحكومي اضافة الى تحدید الیات واجراءات وصلاحیات الاقتراض، ومن أبرز ما تنبغي الاشارة لھ ان القانون حصر الاقتراض الحكومي الداخلي بالسندات الحكومیة، بما فیھا اذونات الخزینة وحظر الاقتراض الداخلي المباشر من البنوك التجاریة أو أي مؤسسة أخرى. كما أن المادة 21 من القانون أشارت الى عدم جواز ان یزید رصید الرصید القائم للدین العام الداخلي عن 40 %من الناتج المحلي الاجمالي بالاسعار الجاریة للسنة الاخیرة التي تتوافر عنھا بیانات، وھي نفس النسبة التي تم النص علیھا في المادة التالیة فیما یتعلق بالرصید القائم للدین العام الخارجي، أما المادة 23 فقد أشارت بوضوح الى عدم جواز ان یتجاوز الدین العام بشقیھ الداخلي والخارجي نسبة 60 %من الناتج المحلي الاجمالي بالاسعار الجاریة، وفي حین منح القانون مجلس الوزراء صلاحیة تحدید تاریخ بدء سریان المادتین المتعلقتین باجمالي الدین العام والدین الخارجي، الا ان ذلك لم یشمل المادة المتعلقة بالرصید القائم للدین الداخلي بمعنى انھا ساریة المفعول وواجبة التطبیق، ومع بلوغ الدین الداخلي في نھایة عام 2019 للنسب التي تمت الاشارة الیھا اعلاه، فمن الواضح أن الحكومة في ضوء .برامجھا وخططھا لادارة الدین العام لم تستطع ان تلتزم بنص القانون فیما یتعلق بالنسب المتعلقة بالدین الداخلي یعد الدین الداخلي أحدى وسائل التمویل التي تتم عبر حشد المدخرات المحلیة لتغطیة عجز الموازنة للحكومة المركزیة أو المؤسسات المستقلة، ویتمیز ھذا النمط من التمویل بانھ، اذا استخدم بالشكل المناسب، یحمل في طیاتھ اثاراً ایجابیة عبر تنشیط القطاعات الاقتصادیة المختلفة والمساھمة في الاستثمارات الراسمالیة وتنمیة راس المال البشري، واضافة الى ان عوائده التي تدفع على شكل فوائد یعود أثرھا على المؤسسات المقرضة داخل الدولة، فھو أیضاً لا یتسبب باستنزاف العملات الاجنبیة، كما أنھ لا یقترن باملاءات او شروط للجھات المقرضة كما ھو حال التمویل من خلال القروض الخارجیة، ولا یعاني من مشكلة مخاطر اسعار الصرف وتقلباتھا لانھ یسدد بالعملة المحلیة، ولكن ذلك كلھ لا ینبغي ان یحجب عنا مخاطر تفاقم المدیونیة الداخلیة واعبائھا التي تترتب على الموازنة، واحیاناً الاثار المحتملة على مجمل الاداء الاقتصادي، ومن الضروري ان تتم ادارة الدین الداخلي في سیاق متكامل لادارة حصیفة وفق أھداف ورؤى واضحة تتعلق بالدین العام بشقیھ، وذلك مع الاخذ في الاعتبار الاثار المحتملة على استثمارات القطاع الخاص، فاقتراض الحكومة من البنوك، خاصة عندما یتوسع بشكل غیر مدروس، یقلص مصادر التمویل المتاحة للقطاع الخاص من خلال التأثیر على حجم السیولة،وھذا قد یعني حرمان الاقتصاد من مشاریع تولد فرص عمل اضافیة وتساھم في رفع نسبة النمو الاقتصادي، لذلك فان التعامل مع الدین الداخلي یفترض ان یتم في اطار واضح یخضع للاصلاحات التي تنفذ في مجال المالیة العامة وبما یضمن استقرار الاطار الكلي للاقتصاد، كما لا بد من الالتفات الى الاثار المتوقعة لادوات الدین الداخلي على اسعار الفائدة وامكانیة تفضیل المؤسسات المصرفیة لاقراض الحكومة بدلا من القطاع الخاص باعتبار ان الدین الحكومي مضمون ولبس لھ مخاطر مرتفعة مقارنة بالاستثمار الخاص، لذلك فالتوازن بین مختلف اشكال الاقتراض تماماً كما ھو مطلوب لتحقیق الانسجام بین السیاستین المالیة والنقدیة مطلوب ایضاً لتتحقیق التوازن بین القطاعین العام والخاص، وفي كل الاحوال لا بد ان نضع نصب اعیننا ان المدیونیة، سواء كانت داخلیة او خارجیة، عندما تتجاوز الحدود وتستخدم كاداة لتمویل النفقات الجاریة تصبح خطراً على المنجزات التنمویة بدل ان تكون اداة لتعزیزھا وتقلص امكانیات السیاسة المالیة وقدرتھا على القیام بدور تنموي یتفق مع المتطلبات والتطورات التي یشھدھا الوطن، فالدین العام یمكن ان یكون اداة تمویل تسھم في بناء المشاریع الاستثماریة والبنى التحتیة اذا تم التعامل معھا بحكمة وموضوعیة وبما یتفق مع مقدرات الاقتصاد الوطني مع عدم اغفال ما قد .یترتب علیھ من مخاطر یشكل مستوى الافصاح والشفافیة اداة مھمة تمكن من التعامل بموضوعیة مع الدین الداخلي والتصدي لما قد یترتب علیھ من مصاعب، وبالرغم من أن ھناك عدد من التقاریر والنشرات التي تصدر عن المؤسسات ذات العلاقة في المملكة تعزز ھذا الاتجاه، الا ان ھناك بعض الاراء التي تعتقد ان الافصاح عن الدین العام والالتزامات الحكومیة لا زالت بحاجة لمزید من التوضیح في بعض الجوانب، فالمستحقات غیر المسددة للمقاولین او لشركات الادویة او شركات الكھرباء او الاستملاكات بل وحتى الردیات الضریبیة المتأخرة ھي عملیاً عبارة عن دیون ومستحقات في ذمة الحكومة وان كانت لا تدخل ضمن احصاءات المدیونیة الداخلیة، واثرھا على الاقتصاد قد یكون أشد وطأة من الدیون المثبتة في الاحصاءات، فھي تعیق عمل قطاعات اقتصادیة مھمة واثرھا السلبي قد ینعكس على قطاعات اخرى عندما لا تتمكن ھذه الشركات من تسدید التزاماتھا او القیام بالمھام المطلوبة منھا بالشكل المناسب، فالاقتصاد كل متكامل والارتدادات السلبیة قد یتوسع اثرھا لتشمل اطرافاً اخرى، وقد أحسنت الحكومة صنعاً عندما بدأت في تسدید ھذه .المتأخرات بشكل منتظم عبر ادراج بند التزامات سابقة ضمن الموازنة العامة یتطلب العمل لتقلیص الاثار السلبیة التي قد تترتب على الارتفاع المفرط في المدیونیة الداخلیة توجھاً مباشراً لمعالجة الاسباب المؤدیة اصلاً لھذا الارتفاع والتي لا تخرج عادة عن التوسع في الانفاق العام وعدم القدرة على تحصیل الایرادات الملائمة لحجم الانفاق، الا انھ لا بد ایضاً من ادارة كفوءة للدین العام تراعي ایجاد صیغة ومزیج ملائم للدین الداخلي والخارجي یخدم المتطلبات التنمویة ویقلص اعباء المدیونیة، وقد یكون من المفید التذكیر بضرورة الاستفادة ً من أدوات التمویل الاسلامي وامكانیات استخدامھا لاقامة مشاریع تنمویة واستثماریة، سواء في اطار الانفاق العام الرأسمالي أو في اطار مشاریع الشراكة، خاصة وان الدولة الاردنیة عندما أقرت قانون صكوك التمویل الاسلامي عام 2012 كانت تسعى لتوفیر اداة جدیدة تعزز ادارة الدین العام ویمكن من خلالھا توفیر التمویل اللازم لمشاریع حیویة قد .لا تتمكن الموازنة العامة من توفیر التمویل اللازم لھا قبل یومین أعلنت الحكومة اللبنانیة تعلیق تسدید سندات الیوروبوند التي تستحق الیوم وتبلغ قیمتھا 2.1 ملیار دولار، وھذه ھي الدفعة الاولى من السندات التي یبلغ مجموعھا 6.4 ملیار دولار وتستحق خلال العام الحالي 2020 ،ونحن ھنا لسنا بصدد مناقشة ھذا الموضوع وانما للتذكیر بان الاستمرار في الاستدانة المفرطة، وكما عایشناه خلال العقد الماضي، سیؤدي عاجلاً أم اجلاً الى مواجھة الحقیقة ودفع الثمن الذي قد یكون باھظاً، لذلك ونحن في الاردن، وبالرغم من اننا لا زلنا في سعة، الا ان ھذا لا یمنع بل قد یستوجب التفكیر الجدي المقرون بالعمل الدؤوب لكي لا نصل الى مثل ھذا الواقع، والفرصة امامنا لا زالت متاحة، فالنعمل الیوم على ادارة الدین العام وھیكلتھ في اطار خطة .وطنیة تحفز الاقتصاد وترفع نسب نموه وتبقي المدیونیة بشقیھا الداخلي والخارجي ضمن مستویات امنة