تداعيات النموذج الاردني من الربيع العربي
خلافاً للثورات والحراكات الاحتجاجية التي نشبت بشكل مفاجئ , وغير مدبر سلفا من قبل قيادات واحزاب في الدول التي اجتاحها الربيع العربي, فان الحراك الشعبي في الاردن مخطط له تقوده احزاب وتيارات ونقابات اضافة الى شخصيات سياسية معروفة, ما يجعل من (الربيع الاردني) نموذجاً مختلفاً ومتفرداً بين أقرانه.
لقد استهل المعلمون الحراك الشعبي قبل اشهر طوال من انفجار أحداث تونس ومصر. أما المظاهرات والمسيرات خلال عام 2010 أمام الجامع الحسيني وفي مدن الجنوب (المعلمون) فلقد كانت تمثل حالة العلاقة المتدهورة بين السلطة وبين القوى الاجتماعية, كذلك العلاقة بين الحكومات وبين الفعاليات الشعبية. ومع نشوب الانتفاضات والثورات العربية التحق الحراك الشعبي الاردني بها محتفظا بنموذجه الخاص, لكن زاد عليه بنشاط جريء وعلني مع رفع سقف مطالبه عندما التحقت به جماعات العمال والمزارعين والمثقفين وبعض وجهاء العشائر المتذمرين وحتى موظفي الدولة وقطاعات من الطبقة الوسطى.
الحراك الشعبي لم يتحول إلى انتفاضة أو ثورة, ولا إلى حركة احتجاجية واسعة النطاق, لأنه يُدار من قبل احزاب ونقابات (مُرَخّصة) ومن مجموعات شبابية, هي امتداد للاحزاب والتيارات السياسية القائمة, او انها مجموعات جديدة, اختارت قيادات وعناوين لها, وهذا الوضع شَكّل ضابط أمان بعدم َتحَوّل الاحتجاجات والمسيرات الى ثورة رغم تنامي السخط بين قطاعات واسعة من الشعب خاصة في المحافظات.
كل هذه الصفات, كان يجب ان تخلق تحولاً كبيراً في سياسة الدولة والحكومة, يقوم على استغلال التمايز الحاصل بين الحراك الشعبي الاردني وبين ثورات وانتفاضات العالم العربي, من اجل الحفاظ على طبيعته بالاعتراف به والتعامل معه, وفتح ابواب الشراكة على مصاريعها بين السلطة وبين الاحزاب والنقابات والحراكات الشعبية والشبابية.
لقد تَصوّرت الحكومة ومعها مواقع القرار المختلفة انه بالامكان الاستمرار في سياسة متناقضة من (الاعتراف والانكار) في التعامل مع عملية الاصلاح التي يطالب بها الاردنيون, اعتراف َتمَثّل بتشكيل لجنة الحوار الوطني ولجنة التعديلات الدستورية, التي نجم عنهما خطوات مهمة وانكار بعدم الإعتراف بان غاية الاصلاح هو فتح الباب أمام قوى جديدة, وتيارات ووجوه مختلفة للمشاركة في القرارات الاساسية على مستوى الدولة والمجتمع.
وكان هذا يتطلب من الدولة الإقدام على خطوات اصلاحية باتجاهين, الاول: إحداث تغييرات مهمة على المواقع الحكومية والرسمية المشرفة على خطوات الاصلاح مما يُشيع أجواء الثقة بأصحاب القرار. والخط الثاني: فتح حوارات متصلة مع الاحزاب والحراك الشعبي بكل اشكاله وعناوينه, إما من خلال تشكيل لجنة على غرار (الميثاق الوطني) او من خلال الاتصالات الثنائية المكثفة لزرع الثقة والطمأنينة بالخطوات الاصلاحية بين صفوف القوى الشعبية المصرة على رؤية تغيير حاسم في شكل الادارة ورجالها وسياساتها.
هذا لم يحدث, ولذلك بقيت الجسور مقطوعة, والهوة عميقة بين حراك الشارع المستمر والمتصاعد, وبين الحكومة والاجهزة الرسمية, ولهذا فان تطورات الأسابيع الاخيرة تثبت بأن البلد والنظام والقوى الحزبية والشعبية أمام واجب ردم هذه الهوة من أجل الحفاظ على النموذج الأردني من الربيع العربي. وهذا قد يتطلب تغيير القناعات القائمة منذ عقود في عقل الدولة وقناعاتها, التي ترى في الحراك الشعبي بأنه حالة عارضة, وأن القائمين عليه يهدفون الى تخريب البلد والإخلال بالأمن والاستقرار. اذ كيف يَتأتّى أن تقوم الدولة برفع شعار التعددية والحكومة البرلمانية فيما هي تعمل على عزل حزب الاخوان المسلمين والاحزاب والتيارات الشعبية الاخرى.
ان أحد التفسيرات لتصاعد الحراك الشعبي هو الشعور العام السائد بأن الدولة تتصرف وكأنها (مصدقة أن الشعب لا يريد الاصلاح) واكثر من ذلك تكرار المواقف التي تضع الأردنيين بمواجهة أنماط من سياسة تبادل المنافع بين الحكومة ومجلس النواب لتمرير مشاريع تناقض اساسيات ادنى إصلاح في الدنيا, مثل تمرير المادة 23 التي اليها يعزى الجانب الاكبر من حالة تصاعد الحراك الشعبي.