|
لا يزعم ليث شبيلات، ولا رموز المعارضة الآخرون بأن أطروحاتهم السياسية تعبر عن الغالبية الساحقة من الجماهير الأردنية، لكن الثابت في المقابل أن الرجل يحظى بشعبية كاسحة لا يدانيه فيها سوى قلة من رموز الحركة الإسلامية ونفر قليل آخر ممن يقتربون من سقفه السياسي.
قلة من بين الرموز السياسية في الأردن هم الذين بوسعهم أن يخوضوا الانتخابات في أية مدينة ويفوزوا، وشبيلات واحد من هؤلاء، وقلة هم الذين تجتمع الناس للاستماع إليهم، وليث شبيلات من أبرزهم دون شك.
نختلف مع ليث شبيلات في قسوته على الإخوان، لا سيما خلال المرحلة الأخيرة التي قدمت الجماعة خلالها مساهمة هي الأبرز في تواصل الحراك الشعبي، لكننا نتفهم ذلك في السياق السياسي والإنساني، فيما نأمل أن يعمل المخلصون على تعظيم القواسم المشتركة بين جميع العاملين في ميدان الإصلاح.
في المحصلة، لا يحمل ليث شبيلات سلاحا، ولا يحرّض على القتل، بل يتقدم بأطروحات سياسية وفكرية، وفي الغرب ثمة آراء سياسية تبدأ من أقصى اليسار وتنتهي في أقصى اليمين، ولا يحجر أحد عليها، حيث ولّى زمن «المكارثية» (خلال الخمسينات)، والذي استخدمت خلاله أقصى درجات العنف ضد المعارضين الشيوعيين وصلت حد الاعتداء على أهلهم وبيوتهم وممتلكاتهم، فضلا عن أشخاصهم، واستخدمت عصابات المافيا لتنفيذ تلك المهمات القذرة.
العالم اليوم لم يعد يحتمل لا «مكارثية»، ولا ما هو دونها من وسائل، لكن بعض العرب الذين لم يتعودوا الكلمة الحرة القوية لم يدخلوا العالم الجديد بعد، ولا يزالون على توترهم إزاء أي رأي سياسي يعارض السائد أو يتجاوز السقف المتداول.
في مصر، مضت سنوات كان عنف البلطجية يستخدم ضد أي معارض سياسي يتجاوز السقف، وقد اختطف عبدالحليم قنديل ذات مرة من قبل بلطجية النظام وضرب ضربا مبرحا وانتزعت ملابسه وترك في الصحراء عاريا، وبالطبع ردا على تجاوزه السقف المسوح به في التعامل مع رئيس الجمهورية.
لكن السنوات التالية فرضت مسارا آخر، فقد كسر الناس حاجز الخوف، وصار ما ضرب لأجله عبدالحليم قنديل يتردد في المقاهي والشوارع، فضلا عن الصحف والفضائيات، وصولا إلى زمن خرج فيه الشباب إلى الشوارع وفرضوا ما يريدون في ثورتهم الرائعة، ولو استجاب الرئيس لمطالب الناس، بل حتى جزء معقول منها لكان المشهد مختلفا.
من هو الذي يملك الحق في تحديد ما إذا كان ما يقوله ليث شبيلات أو سواه صحيحا أو مقبولا أم لا؟ هل هم أولئك الذين يكتبون بأسماء مستعارة في منتديات الإنترنت، ويقولون كلاما معيبا لا يليق بشرفاء الناس، أم بلطجية الشوارع، أم أن ثمة وسائل أخرى لقياس الرأي العام وتحديد الصائب والخاطئ من الآراء؟! يتحدث ليث شبيلات كلاما سياسيا ينطوي على أطروحة واضحة، قد يتفق معها البعض وقد يختلفون، والحكم في القضية هي الجماهير حين تمنح حق التعبير والاختيار الحر عبر قانون انتخاب حر وعادل.
سيخرج علينا البعض هنا ليتحدث عن القانون بروحية التوطين والوطن البديل، وليث شبيلات هو خير من يرد على هذا الطرح، إذ يقول صراحة إن الذي يدافعون عن وادي عربة الذي ينص بشكل واضح على التوطين لا يحق لهم الزعم بأنهم ضده، فمن يقف ضد التوطين عليه أن يكون مع المقاومة وتحرير فلسطين.
أيا يكن الأمر، فإن ما يعيننا هنا هو أن ليث شبيلات وسواه من المعارضين يقولون كلاما سياسيا ولا يحملون سلاحا ولا يمارسون عنفا ضد أحد، وهم كما يعرف الجميع لم يطالبوا بما طالب به كثيرون في العالم العربي، إذ اكتفوا بشعار الإصلاح الذي يقصدون به صيغة جديدة للحكم عنوانها التعددية وسلطة الشعب، وبوسع من يرفضون طرحهم أن يقولوا رأيهم، وأن يحشدوا له الجماهير بكل السبل المشروعة.
بقي القول إنه بعد مسيرة الجمعة التي تصدرها رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات وقيادات الحركة الإسلامية وعدد من رموز جبهة الإصلاح، لن يكون بوسع أحد التشكيك بالمطالبين بالإصلاح، مع أن المشككين سيواصلون عملهم دون توقف على الأرجح.
|