|
استأذن القارئ الكريم بتسجيل نقطة نظام على هامش العاصفة التي انطلقت مؤخرا إثر التصريحات التي ادلى بها نقيب المحامين الاردنيين السيد مازن ارشيدات حول «مواصفات القاضي» والتي فهم منها اساءة الى الرسول عليه الصلاة والسلام.
لست -بالطبع- في مجال الدفاع عن النقيب، فانا اصلا لا اعرفه، ولا في مجال التعليق على ردة فعل الناس الطبيعية وحدّة مشاعرهم ازاء اية اساءة تصدر ضد الدين او رموزنا المقدسة، ولكنني اعتقد ان المسألة لم تحرر بما يكفي، فما قاله الرجل -مهما جرى تفسيره- لا يشكل اية اساءة للرسول، فمن قال ان صفات الرسول -اي رسول- هي صفات الله تعالى، ومن قال ان الرسول ليس بشرا ويجتهد مثل غيره من البشر، وربما تقوده بشريته الى احكام او مواقف لا يؤيده فيها الوحي كما نصت على ذلك اكثر من آية في القرآن الكريم، وخاصة في ما يتعلق بامور الدنيا كما اثبت ذلك معظم الفقهاء.
المسألة التي اثارت النقاش وضعت في دائرة «الدين» ولذلك نهضت دار الفتوى للرد، ورفع المحتجون شعارات تطالب الرجل بـ»التوبة» والاستغفار، وجرى تجييش عواطف الناس وتأليبهم ضد الرجل، مع ان الدائرة الحقيقية هذ دائرة «السياسة» وهذه وان غابت عن النقاش الا انها كانت حاضرة لدى من تبنى «الهجمة» ولدى من «استثمرها» لطرد الرجل من «وظيفته» والثأر منه وتجريحه لدى الناس باستخدام سلاح «الاساءة» للرسول.. وهو سلاح لا يستطيع احد ان يواجهه او حتى ان يرفع اصبعه للاحتجاج عليه.
اخطر ما في القضية ان هؤلاء او بعضهم استخدموا الدين وفق اجتهاء تعوزه الادلة لتصفية حسابات سياسية، وانهم قدموا بالتالي نموذجا لـ»للديني» حين يحكم او يتولى المسؤولية وكيف تكون علاقته مع الاخر ومع المجتمع ومع خصومه «السياسيين» ايضا، وهو نموذج غير صحيح، ومن يعرف الاسلام حقا يدرك ان مقاصده ارحب صدرا مما يرى هؤلاء، وان رسولنا العظيم عليه السلام لم يأمرنا قطعا ان نتعامل مع بعضنا بهذه الطريقة، حتى لو اخطأنا التصرف -جهلا او عفوا- بحقه او بحق الدين ايضا.
كنت اتمنى بالطبع ان تكون ردود افعالنا على «الاساءات» التي تصدر يوميا ضد الدين وضد البلد والناس مثل ردود افعالنا على «التهمة» التي الصقت بالنقيب، لكن يبدو ان المسألة التي جرى استهداف الرجل بسببها ليست لها علاقة بـ»الدين»، هذا الذي اعتقد ان الدفاع عنه يقع في صميم واجبنا، وانما لها علاقة مباشرة بمواقف البعض من النقيب وهي مواقف «سياسية» ومهنية وربما شخصية، جرى استخدام «الواقعة» باسم الدين لتصفيتها.. وهذا اخطر ما في الموضوع.
المشكلة ان احدا في بلادنا لم يتحرك لكي يقول شيئا ضد هذا التوظيف المسيء للدين، وقد يكون ذلك مفهوما لان السباحة ضد التيار محفوفة بالمخاطر، فكيف اذا كان هذا التيار له علاقة بدين الناس ومشاعرهم وحبهم لرسولهم، لكن غير المفهوم هو موقف المستنيرين والنخب الدينية التي تعرف تماما حقيقة ما جرى، وتدرك ان ما ذكره الرجل يمكن ان يصنف في دائرة الاجتهاد والخطأ لا «الاساءة» وبذلك فمجرد رجوعه عنه واصراره على التزامه الديني وانصافه للرسول عليه السلام هو اعتذار عن الخطأ الاجتهادي.. اذا افترضنا انه خطأ مقصود فعلا.
قد يعتقد البعض انهم كسبوا «نقطة» حين دفعوا الناس الى الاحتجاج على النقيب والمطالبة بتنحيته او حين انتزعوا منه الاعتذار تحت دائرة التخويف، لكن الحقيقة انهم ونحن معهم خسروا اكثر من نقطة حين قدموا لنا هذه البروفة لما يمكن ان يفعلوه لو كانوا في موقع القرار. وحين قدموا لنا الدين بهذا الشكل غير الصحيح، وحين تصيدوا اجتهادا او ربما زلة لسان، لتصفية خلافات لا علاقة لها بالدفاع عن الرسول عليه الصلاة والسلام ولا بالانتصار لسنته الشريفة.
سؤال: هل يرضى رسول الله عليه الصلاة والسلام لو كان بيننا اليوم ان تكون ردودنا على رجل اخطأ بحقه او اجتهد ولم يسىء، او حتى اساء، بمثل هذه الطريقة؟.
اترك الاجابة للقارئ الكريم. وادعو الله ان يدلنا على الصواب.
|