بلطجية أم دعاة إستقرار ؟!

 


لم يكن يخطر في بال مجتمعنا الأردني بعد أن التهبت الساحة العربية في بعض الدول برياح ما سمي بالربيع العربي ، أن تنتقل الينا عدوى ما سمي بالبلطجة وقمع المتظاهرين ، كنا نود في هذا البلد أن نسير وفق نهج منظم بعيدا عن تعكير صفو الحراك النبيل الذي لا يضمر في نفسه الا الخير لهذا الوطن ، وإن كان البعض يرى في البعض من دعاة الإصلاح والتغيير أصحاب مطامع شخصية و مكاسب ضيقة .

أذكر بأن مصطلح البلطجة و البلطجية ذاع صيته في الثورة المصرية التي أثبتت للعالم بأسره حقيقة جديدة ستسطر في التاريخ ، بأن الشعب بالفعل إذا أراد الحياة فلا بد ان يمضي بصوته وعقله محركا ساعديه للتغيير ، وكانت تلك بداية ظهور حالة الوقوف في وجه فئة تطالب بتغيير شكل الحكم السائد على إعتبار بأنه لا يلبي الطموح وهذه تعني الكثير لانها تحمل في جعبتها حاضر ومستقبل شعب بأسره .

إذا كان من الطبيعي جداً أن تجد طرفا مناوئاً لفكرة الجانب الآخر ، وهنا بدأت حالة إعطاء الثورة حسب تسميتها شكلا ذا صخب وحضور اكبر ، أتعلمون لماذا ؟ لأن الشعب العربي قوبل حين تكلم بحريته بدوي الرصاص والعصي تنهال على رأسه ، ولن أقول دبابات وطائرات كما هو الحال في سوريا وليبيا واليمن حتى لا أبتعد كثيرا ، فالشكل المزعج جدا من حالة سميت بالبلطجة هي الإعتداء بشكل شبه منظم على مسيرات و إعتصامات لها مطالبها المتعددة .

حالة ما سمي بالبلطجة في الأردن مثالية بإمتياز ، وللعلم لست أسميها أنا بل جاءت التسمية من الحالة العربية بأسرها  ، والأمر هنا في الأردن يدفع للتساؤل هل بالفعل لدينا بلطجية مدفوعين ومأجورين مقابل ثمن بخس بهدف إخافة وقمع المعتصمين والخارجين في المسيرات ؟ الإجابة اعتقد بأنها تحمل جانباً كبيرا من القول بالإيجاب ! كيف؟ مع ابتعادي بالطبع عن القول بالمأجورين و من يتلقون الاجر المادي ،  فمنذ أن بدأ الشارع الأردني أو فئة منه بالخروج والتعبير عن مطالبهم ظهرت لدينا حالة من الصدمة لدى المسؤولين وأصحاب النفوذ ، والصدمة هنا تحديدا رافقها حالة  من الخوف لديهم أي سادة صنع القرار ، بان تنتقل عدوى الثورات العربية بشكلها الهادر الى داخل الساحة الأردنية .

وللعلم لم تكن الأردن بعيدة وغير مرشحة لهذه الهبة العربية ، فللأسف فبلدي العزيز فيه من مقومات إنطلاق الثورة ما يؤهله لأن يحرك تعبيرات وجهه الممثل بالشعب  ، لأنه تلقى من اللكمات واللطمات ما جعل منه مرهقا ومعدما وهو يرى بلاده قد أصبحت للمستثمرين وشركائهم من أبناء البلد المتنفذين ، وهو يرى أيضاً ثروات معدنية قد ذهبت للخصخصة ، ونتاج سياسة إقتصادية مقيتة أفرزت شعباً يرزخ أكثر من ثلثيه تحت خط الفقر ليجد بان ثروات الشعب الأردني تضمر في يد ثمانية بالمئة فقط من الشعب الأردني بأسره !

فهل يعقل أن يكون البلطجي قابلاً بهذا الوضع المؤلم الذي أنهك ودمر وأوقف كثيرا من عجلة التقدم والإزدهار في هذا البلد ؟ بالطبع لا ، ولكن يبدو بان الحكومة بأجهزتها المتعددة وبالذات المخابرات العامة لعبت دوراً كبيرا في خلق حالة من التنويم المغناطيسي لفئة معينة من الشارع أفهمتهم بان  أهل المسيرات والإعتصامات هم دعاة تخريب وأصحاب أجندات خارجية ويهدفون لإسقاط النظام   ، فلا زلت أذكر حتى هذه اللحظة حديث احد أفراد الدرك بعد يوم واحد من أحداث الداخلية التي قمع فيها شباب 24 آذار ، حين قال لي بأنهم شحنوا عقولنا قائلين قبل الإنطلاق لساحة الضرب والقمع بأن أولئك المرابطين يهتفون بإسقاط النظام وشتم الملك ويريدون تدمير الأردن وجره للخراب كما حدث في بلاد أخرى !

حالة من التفرقة والتقسيم أبدعت الأجهزة الحكومية في خلقها بين أبناء الشعب الأردني ، وهي ضريبة كبيرة ثمنها بقاء الحال على ما هو ! فقد سخرت الإعلام الموجه وحثت شيوخ السلاطين على دعمها وأفرزت برزخا كبيرا بين فئة وأخرى في المجتمع ، الأولى تريد الإصلاح والتغيير وبغض النظر عن النوايا وهم من الطبقة المثقفة أو غيرها من التسميات ، والثانية ترى في المجموعة الأولى مجرد مخربين مندسين تابعين لأجندات مشبوهة حسب رأيهم ، والمزعج في الأمر بان هذه الفئة تحديداً يميزها شيء واحد بان الغالبية منهم هم ليسوا من المطلعين والمتنورين سياسياً وهذه ستزعجهم هنا ، فأنظروا قليلا هل يعقل أن يبادر مثلا رجل يعمل استاذا في الجامعة على حمل العصا في الميادين وتهديد المعتصمين ، هذا على إفتراض بأنه من المثقفين في السياسة وله آراء يتبناها ، لقد توهموا كثيرا وخسروا الكثير حين أنتجوا هذه الحالة المزعجة بالفعل لقد كان لحالة البلطجة فضل كبير في تدعيم الحراك وتطويره بل وإزدادت حالة الإتصال بين المناطق  البعيدة والقريبة ، وهذا ما يدلل بأن من نسب بإستخدام تلك الطريقة البدائية كان عقله يوازي عقل طفل في شهره الرابع ، لأنه على ما يبدو لم يرى ما حدث في الساحات الأخرى المحيطة بالأردن .