صرخة الوزير اللبناني!



لم يعتد المدعوون الى حفلات الافتتاح التي تقام في الفنادق الكبرى بمناسبة انعقاد المؤتمرات الرسمية، الاقليمية منها والدولية، أن يسمعوا إلا كل ما هو مكتوب سلفاً بديباجات مكررة وعبارات مملة إلى حد انتشار التثاؤب بين الحضور أو غفواتهم القصيرة ثم الصحو على صوت التصفيق الرتيب..! لكن ما حدث في العقبة الاسبوع الماضي أثناء مؤتمر وزراء السياحة العرب خرج عن المألوف وكسر القاعدة وألقى حجراً ولو صغيراً في المياه الراكدة، فقد «تجرأ» وزير السياحة اللبناني وقال رأيه بصراحة، لم يجامل «الدول الاعضاء» في مجلس وزراء السياحة العرب بل انتقد قراراتهم وتوصياتهم المتكررة التي قد لا ترى النور بعد المؤتمر ولا تجد طريقها للتنفيذ من قبل الحكومات الموقعة عليها وجاء بمثلٍ واحد عن قرار اتخذ قبل ثلاث سنوات وبقي في الادراج رغم أنه يخدم بشكل ملح التنسيق السياحي بين دول عربية ثلاث!

أكثر صحفنا لم تشر لكلمة الوزير اللبناني ولا اعتقد أن الصحف العربية اهتمت بها لو فرضنا جدلاً أن احداً من مراسليها حضر المؤتمر أو «حفل» افتتاحه على الأقل! وصرختُه التي أطلقها محتجاً مَغيظاً لم تُحدث أي صدىً! ولا يمكن القول إنها الصرخة الاولى في مؤتمراتنا العربية «الرسمية» إذ أن لها سابقات لم نسمع بها لأنها لم تخرج من ابواب ونوافذ القاعات والصالونات إما بسبب التعتيم الاعلامي المقصود أو بسبب عدم اكتراث الاعلام أصلا!.

هناك عدد لا حصر له من القرارات المهمة أو غير المهمة التي اتخذتها مثل هذه المجالس ولم تنفذ أو لم يسمع بها أحد لكني لا أملك في هذه المناسبة الا أن اتذكر وأذكّر بقرار كبير أصدره مجلسان وزاريان عربيان «وزراء الصحة» و»وزراء التعليم العالي» عندما اجتمعا معاً في دمشق في السابع من كانون الاول / 1988 وهو يقضي بتطبيق خطة طويلة لتعريب التعليم الطبي في الوطن العربي على مراحل تمتد لعشر سنوات تبدأ بالسنة الجامعية الاولى عام 1990 ثم الأعلى فالأعلى وتتكامل بالمراجعة والتقييم حتى عام 2000 ويجري خلالها تدريس الطب باللغة العربية دون اغفال تعليم مادة اللغة الاجنبية المتخصصه ( الانجليزية أو الفرنسية ) طيلة سنوات الدراسة كلغة ثانية يجب اتقانها من أجل التواصل المعرفي العالمي ولأغراض البحث العلمي.

لم يكن قرار المجلسين العتيدين ارتجاليا بل جاء بعد دراسات مستفيضة قامت بها على مدى سنوات عديدة لجانٌ من الجامعات العربية المختلفه وساهمت فيها منظمة الصحة العالمية التي أرست قبل ذلك مبدأ ضرورة تعليم طلاب الجامعات بلغتهم الأم ليس لاسباب وطنية فحسب بل لأنها الاقدر على التوصيل والأسهل على أَفهام الطلبه لا سيما وان كل دول العالم تفعل ذلك باستثناءات نادرة أغلبها من الدول العربية (عدا سوريا).. وقد يبدو مثيراً للدهشه أن اساتذة كلية الطب في الجامعة الاميركية في بيروت كانوا من اكثر المتحمسين لمشروع التعريب.. وباقي القصة المهزلة أن وزراء الصحة ووزراء التعليم العالي عادوا الى دولهم ( وكان الدكتور ناصر الدين الاسد وكاتب هذه السطور بينهم ) وكأن الاجتماع التاريخي مجرد مسرحية انتهت باسدال الستار! إذ لم تقم أي حكومة عربية بتنفيذ القرار منذ عام 1988 حتى يومنا هذا!

وبعد.. فمتى يدخل نسيم الربيع العربي قاعات مؤتمراتنا ؟

zaidhamzeh@orange.jo

http://zaidhamzeh.blogspot.com