ترامب الذي لم يُهزم قد يهزمه شاب صغير السن!

اخبار البلد-

 

يمثل ترامب الجدار المائل الذي تستند إليه الغالبية العظمى من القيادات الرسمية العربية، التي كثيراً ما تصر على الاعتماد على واشنطن، وهو ما نسمّيه في مصر الاعتماد على «الحيطة المايلة»، أي الجدار المتصدع، الذي سرعان ما ينهار. وعن معركة الرئاسة الأمريكية ما زالت قناعتي ترجح فوز ترامب في الانتخابات، مكافأة له على اندفاعه ورغبته الجامحة في العمل في بلاط الحركة الصهيونية، وفي أروقتها وكواليسها، وينشر الفوضى اللازمة للتغطية على ما تقوم به هذه المطالب، مهما كان شذوذها، والحركة الصهيونية وجدت في ترامب الشخص المناسب لتحقيق كل ما تريد، وأضحت «تل أبيب» قبلته ومرجعيته المقدسة.
ويجري العمل على التوسع في كل ما هو ضار بقضايا العدل والسلام، وسعيه الدؤوب لتتحول الاشتباكات إلى «حروب شاملة»، واستنفر قواه الهائلة، اقتصادية وعسكرية وسياسية ومالية وإعلامية، ونجاح ذلك السعي يعود في جانب منه إلى الضعف الشديد الذي تعاني منه «القارة العربية»، وتَرك ساحاتها خالية لإعدائها والمتربصين بها، وللقوى الصاعدة القديمة/ الجديدة، كالصين وروسيا والهند والاتحاد الأوروبي وإيران وتركيا، وإسقاط العرب بكاملهم من أي حساب، وتركهم ينشغلون بما يجري بينهم ويحدث لهم، أكثر من إنشغالهم بالعمل على تقوية أنفسهم، والتفكير في تشكيل قوة توازن إقليمي ودولي، وعمل جماعي يبعد شبح ومخاطر الحروب العدوانية المؤكدة.
واليمين الصهيو – أمريكي مهيأ ومستعد لكل ما يترتب على ذلك، وهو المتمكن من التحكم في مستقبل المنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط. ومن الغريب أن القدرة الزائدة التي أعطيت لهذا اليمين لعبت فيها استقالة الكتلتين العربية والإسلامية دوراً كبيراً، وغاب دورها الحقيقي في التصدي لكل عمليات الاستنزاف التي تحيط بها من كل جانب، وفي لجم حروب الطوائف والمذاهب والعشائر، وفي وقف جولات الحروب المستمرة بالوكالة، ومقاومة الاستسلام لقوى اليمين والتعصب والتمييز العنصري.
وزاد الاقتتال والدمار الشامل بمعدلات أعلى وأسرع، فاقت ما كان إبان عصور الاستعمار القديم بمراحله التقليدية، الاحتلال المباشر، وقيادته للامبريالية والاحتكار، وانتقاله إلى العولمة وما بعد العولمة، والوصول لعصر التمكين الكامل للحركة الصهيونية. وقد يفسر تصريح ««جو والش»، عضو الكونغرس السابق عن ولاية «إلينوي»، العلاقة بين انتخابات الرئاسة الأمريكية وهذه التطورات، وقد حاول »والش» منافسة »دونالد ترامب» من فترة طويلة، وعمل على كسب أصوات الناخبين الجمهوريين إلى صفه، من أجل التقدم للانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني القادم (2020)، وكان نصيبه الفشل والانسحاب تاركاً «الجمل بما حمل» وخرج من معركة، لم تكن قد بدأت، صفر اليدين، وأعلن عن وقف حملته الانتخابية.
وبحسب ما أفاد مراسل هيئة البث البريطانية «بي بي سي» لشئون أمريكا الشمالية «أنتوني زوركر»، فإن رأي «جو والش» في الرئيس الأمريكي الحالي هو إنه «يمثل تهديداً لهذا البلد (أمريكا)، ولا أحد يستطيع أن يهزمه»، وقال لشبكة «سي إن إن» بعد حصوله على 1 في المئة فقط من أصوات «ولاية أيوا» يوم الاثنين الماضي، إن الحزب الجمهوري أصبح طائفة، وبقي «بيل ويلد»، حاكم «ماساشوستس» السابق، الجمهوري الوحيد في مواجهة ترامب فى معركة الانتخابات.
وبدت في الأفق مفاجأة، قد تقلب كل الموازين، تمثلت في تقدم شاب يبلغ من العمر 38 عاما، ويجيد سبع لغات هي: الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والمالطية والعربية والنرويجية والدارية خطف الأضواء بين المنافسين الديمقراطيين اسمه «بيت بوتجيج»، ويقترب حثيثا من صدارة المشهد الانتخابي بين أعضاء حزبه، وإذا ما نجح سيعتبر الرئيس الأصغر سنا في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تحسم ولاية «نيو هامبشر» اختيارة الثلاثاء القادم ، و«بيت بوتجيج» ابن لأستاذين جامعيين، فوالده مهاجر من مالطا، وشغل الابن منصب عمدة مدينة

العرب يراهنون دائماً على الأكثر ابتزازاً لهم وتنكيلاً بهم، وإذا راهنوا على دونالد ترامب ثانية فهم يراهنون على مصيرهم ووجودهم ومستقبل شعوبهم

«ساوث بيند» بولاية «إنديانا»، فيما بين 2012 وحتى يناير 2020، وقد عمل ضابطا في المخابرات البحرية الأمريكية، وكان محاربا في أفغانستان.
وهناك قلق من أن تأتي ترشيحات الحزبين على غرار انتخابات عام 2016، منافية للمنطق والواقع، تنافس فيها «دونالد ترامب» و«هيلاري كيلنتون»، وكانت «كلينتون» المرشحة المفضلة لمؤسسات الدولة، ويبدو الخوف من عودة الكَرَّة مرة أخرى في انتخابات نهاية هذا العام، و«بوتجيج» عمدة سابق لبلدة متوسطة الحجم في ولاية «إنديانا»، وتحتل المركز 306 في ترتيب المدن الأمريكية على مستوى الولايات. وهي بلدة جامعية على غرار «أوكسفورد» في المملكة المتحدة، وإن كانت أصغر منها. ويعتبر أول مرشح مثلي الميول، وأعلن عن هذا الميل الجنسي وهو في الثالثة والثلاثين من عمره، وهو أمر لم يكن مقبولا قبل عقود قليلة مضت، وقد تزوج في يونيو عام 2018..
وتمكن «بوتجيج» العام الماضي من جمع أكثر من 76 مليون دولار لحملته، وهو رقم فلكي لشخصية سياسية غير معروفة حتى بداية هذا العام، وأشاد به الممثل «مايكل جاي فوكس»، لخلفيته السياسية غير التقليدية، ووصفه بـ «الأمريكي الأعسر، مالطي الأصل، ومن أتباع الكنيسة، وجندي سابق في الجيش». وقالت الممرضة سوزان سزيلدو، من بلدة «دبلن» الأمريكية القريبة: «أحب حيويته جداً. وأحب روحه الشابة. أعتقد أنه سيضفي وجهة نظر معاصرة وجديدة على واشنطن، وهو ما نحتاجه بشدة»، ووصفه الممثل الأمريكي «مايكل جاي فوكس» في تجمع عقد الجمعة قبل الماضية: «شاهدت المناظرة الليلة الماضية، وأحترم كل المرشحين الآخرين، لكن شعرت أنهم جميعا يصرخون في وجهي. لكن «بيت» لا يصرخ. إنه يتحدث، وهو رجل هادئ وقادر على شَرْح وجهة نظره».
ويرى خصومه السياسيون في دخوله إلى عالم السياسة والانتخابات تهديد خطير لهم، فعضو مجلس الشيوخ «أيمي كلوباتشر»، عن ولاية «مينسوتا»، وتنافسه على أصوات اليسار المعتدل، فوصفته بأنه غير صادق، وقد تراجع عن تبني إصلاحات واسعة في نظام الضمان الصحي، وردت على انتقاداته للساسة القدامى في «واشنطن»، كونهم من داخل المؤسسة، وذكرت: «من السهل دائما انتقاد واشنطن لأنه الأمر الأكثر جذبا للتصفيق. لكن القيادة أمر أصعب بكثير».
وجو بايدن، الذي وصفه بأنه مجرد عمدة لبلدة صغيرة وليست لديه خبرة تؤهله ليصبح رئيسا، قال للصحافيين يوم السبت الماضي: «أعتقد أن الحزب في مأزق إذا رشح شخصاً لم يَتَوَل منصباً سياسياً أكبر من عمدة بلدة ساوث بيند في إنديانا».
وعن باقي المتنافسين، نجد حملة «برني ساندرز» تبعث برسائل إلكترونية لمؤيديه تحثهم على جمع التبرعات، مع الإشارة إلى أن «بوتجيج» لديه «دوائر متبرعين منتشرة في أنحاء البلاد» تمول حملته بعشرات الآلاف من الدولارات، وليس لديه مثلها.
وسَعَت «إليزابيث وارين»، عضو مجلس الشيوخ عن مدينة «ماساتشوسيتس»، إلى جمع مؤيديها في «نيوهامبشر»، في محاولة محدودة التأثير، وقالت مساء السبت الماضي: إنها لن تدخل سباقا يحدد مساره المستشارون. ولا تقدم مقترحات صيغت بشكل لا يُغضب كبار المتبرعين. وإنها تجاوزت ذلك منذ فترة طويلة.
واعتاد العرب تمويل الانتخابات الغربية في أكثر من بلد، على رأسها الولايات المتحدة، وتعودوا ألا تنقطع لهم عادة. ودوماً يراهنون على الأكثر ابتزازاً لهم وتنكيلاً بهم، وإذا راهنوا على «دونالد ترامب» ثانية، فهم يراهنون على مصيرهم ووجودهم ومستقبل شعوبهم، وعلى استمرار ابتزازه وتحقيره لكل ما له بالعرب والمسلمين، ويقلل من أنصار الحق والعدل والسلام، فهل تعلموا الدرس أم ما زالوا في غيهم؟!.