ما هو الفساد?

المظاهرات ولائحات المطالبة التي خرجت الى الشارع في الأردن كانت وما زالت تنادي بمكافحة الفساد العام, وهو وفق تعريف البنك الدولي, "أي اساءة استخدام للمنصب العام في سبيل تحقيق منفعة خاصة للمسؤول", هذا هو الفساد الذي يرغب الشعب في محاربته, وأي مظاهر أخرى ستكون مرفوضة كبديل.

وللفساد العام أنواع متعددة: فساد "البقاء", حين يلجأ بعض موظفي الحكومة لتقاضي مبالغ صغيرة من المواطنين للتعويض عن ضآلة الرواتب; والفساد "المسكوت عنه", وهو الفساد الذي تمارسه مجموعة مقربة من صانعي القرار في الحكومة; والفساد "البسيط" كالوساطة, أو دفع الرشاوى للحصول على خدمات أو لتفادي العقوبات من قبل السلطات; والفساد "المنظم أو الهيكلي", كإساءة استخدام المنصب واتخاذ القرارات الضارة بالمصلحة أو الموارد المالية العامة.

وينمو الفساد العام عادة, حسب رأي الباحث مويسس نعيم, في الدول التي تفتقر إلى المؤسسية, وعندما توفر السياسات الحكومية فرصا تدر دخلا أو ايرادات اقتصادية كالتخاصية أو الشراكات مع القطاع الخاص أو منح الامتيازات وغيرها, وحين تكون المساءلة ضعيفة, ودور المؤسسات الرقابية دون المستوى, أو حين تكون مؤسسات مكافحة الفساد منحازة إلى جهة ما.

أما في الأردن وحين تتهم شركة ما بأنها فاسدة, فإن هذا, حسب الأدبيات ليس من أنواع الفساد العام الذي يتعلق فقط بتصرفات الأجهزة الحكومية والمؤسسات التابعة لها. كما لا يعتبر, من حيث المبدأ, ما نقرأ في الصحف حول عملية بيع شركة بأعلى من قيمتها الدفترية ( قيمة موجوداتها) على أنه نوع من الفساد الخاص, شريطة أن تكون التقييمات للشركة مبنية على عمليات حسابية شفافة وافتراضات وأسس تقييمية صحيحة. فتقييم الشركات عادة يتم من خلال: التدفقات التي استلمتها المؤسسة في السنوات الماضية إذا كان لها تاريخ طويل في العمل; أو التدفقات النقدية المتوقعة نتيجة ما يعتقده المحللون الماليون بناء على الحصة المتوقعة في السوق, وتستخدم هذه الوسيلة في تقييم الشركات الواعدة حديثة الإنشاء; أو حسب عقود العملاء الموجودة لدى الشركة; أو حسب موجودات الشركة (في حال شركات العقارات مثلا); أو من خلال مبدأ العرض والطلب حين يطلب البائع سعرا ويرضى المشتري أن يدفعه بغض النظر عن التقييمات الأخرى. وهي عمليات تدرس في الكتب والجامعات.

أما المحاسبون فيقومون بتسجيل الفارق بين سعر البيع وقيمة موجودات الشركة في الدفاتر المحاسبية تحت بند "الشهرة" أو (Good Will) وهو أمر متعارف عليه محاسبيا, ويستخدم هذا البيان لتفنيد الدخل المتحقق من بيع الشركة, لذا قد يستغرب البعض من أن بعض الشركات تم بيعها بأكثر من قيمة موجوداتها بينما يكون ذلك بسبب طريقة التقييم.

ومن هنا فإن ما يحدث الآن لبورصة عمان, وما سيترتب عليه من إضرار بمصلحة الاقتصاد ككل سيؤدي الى نفور المستثمرين من الأسواق, ويطيح بإنجازات الأردن, ولأن الاقتصاد مترابط ستهبط ربحية البنوك لسداد خسائرها نتيجة تعثر عملائها, وستحسر السيولة عن غيرهم, وسينسحب أثره على صغرى الشركات وتلك غير المدرجة, وسيندحر دخل الحكومة من الضرائب والرسوم, فيزداد العجز في ميزانيتها, وتهرب بسببه الاستثمارات الأجنبية, ويتراجع الاقتصاد, وأمور قد لا نتجاوز تبعاتها لسنوات.

إذا استمرت حملة ملاحقة القطاع الخاص بدلا من الفساد في القطاع العام, ربما يكون من الأفضل إغلاق التداول في بورصة عمان لفترة للمحافظة على مدخرات الأردنيين الشرفاء, وإلا فما خسرناه وسنخسره لا يعلم مغبته إلا الله.