استراتيجية الرفض!
لخص الأستاذ عدنان أبو عودة المفكر السياسي المحنك وصفه لصفقة القرن بكلمات قليلة "لقد كتبت كي ترفض” ذلك يعني أن الذين صاغوا إطارها وبنودها وتفاصيلها وخرائطها يعرفون سلفا أنها تغضب الفلسطينيين والعرب والأغلبية العظمى من دول العالم بقدر ما تسعد الإسرائيليين لما تضمنته من تأييد ومساندة لاتمام مشروع قومية الدولة اليهودية على كامل أرض فلسطين.
نحن الآن أمام ” الرفض ” الذي يعني لغة عدم الرضى وعدم القبول، ويمكن أن نجد حالة عدم الرضى في موقف الأغلبية الدولية التي تجد في الصفقة خروجا عن المسار المحدد في قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومرجعيات السلام في الشرق الأوسط، مثلما نجد حالة الرفض بمستويات متفاوتة على المستوى العربي والإسلامي، لنجده في مرتبته الأولى في الموقفين الأردني والفلسطيني، نظرا لأن الأمر متعلق أولا بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وثانيا بأمن الأردن وكيانه ومصيره المشترك مع فلسطين ماضيا وحاضرا ومستقبلا.
لم يعد ممكنا الحديث عن أي عمق استراتيجي والعراق وسورية ولبنان على هذا الحال الذي نعرفه، وليس بمقدورنا فعل شيء غير الرفض، والرفض في هذه الحالة ليس مجرد موقف يمكن أن يمر بسلام، إنه مسؤولية كبيرة تضع أصحاب ذلك الموقف أمام تحديات وربما مخاطر حقيقية، ولذلك لا يمكن لهم الاكتفاء بالمصطلح جامدا وانتظار ما سيحل بهم لا لشيء إلا لأنهم قالوا ” لا ” لمن لا يقبل أو لا يحفل بتلك اللا!
ماذا يعني ذلك ؟ من دون وضع استراتيجية للرفض، تقوم على منهج جديد للتفكير والتخطيط الاستراتيجي وإدارة الموقف، بمنطق إدارة أزمة، يصبح الرفض في حد ذاته أزمة، خاصة عندما يتعلق الأمر بطرفين رئيسيين في هذا الصراع، والآن حان الوقت لكي نفهم بعمق المواقف التي دافع عنها جلالة الملك عبدالله الثاني وأعلنها بصورة حاسمة أمام شعبه، وفي جميع المحافل الدولية، ومدى الشجاعة التي يتحلى بها وهو مدرك تماما للخلل الفادح في موازين القوى، وإن كان يعرف كذلك التوازنات الدولية والإقليمية، وكأنه يقول حسنا بإمكانكم أن تفعلوا ذلك، ولكن هل تتحملون النتائج ؟
في فهمه العسكري فضلا عن السياسي يدرك جلالة الملك أن أحد الخيارات المعروفة لمنع العدو من تحقيق أهدافه هو تثبيط عزيمته وإقناعه بأنه لن يتمكن من بلوغ أهدافه بالقوة، وقد يعتمد في ذلك على منطق القدر أو التاريخ أو استشراف المستقبل، وقد يتمكن من إقناع الطرف الآخر من أن الأسس، وخاصة الدينية منها، قد تخلق له أزمة في مجتمعه مع الوقت أعماه الشعور بالقوة المطلقة عن رؤيتها.
ما من شك أننا نعيش حالة من فوضى العقل نتيجة ما تتعرض له عقولنا من تجاذبات تهاجمها من كل جانب، ولكن ثمة قاعدة لا يمكن التوهان عنها لمن يريد أن يذهب إليها، إنها قاعدة الايمان، والثقة بالنفس، والتضامن الوطني، والقناعة والقدرة على أننا نستطيع تحويل الرفض إلى موقف عملي يحفظ بلدنا وقيمته الاستراتيجية في هذا الإقليم، ويؤسس لمرحلة جديدة من التفكير والعمل، نلغي بها زمنا طويلا عشناه ونحن نستخدم لغتنا، ولا نستخدم قدرتنا على صون كرامتنا وحقوقنا وطموحاتنا المشروعة ومستقبل أجيالنا!