كيف أثر الفيروس الصيني القاتل على أسواق النفط؟

اخبار البلد

 
أثر فيروس كورونا القاتل في الصين على الأسواق العالمية ككل خلال الأسبوع الماضي، وكان التأثير ملحوظاً على أسواق النفط العالمية، فقد شعر المتداولون بالخطر، رغم نقص المعلومات عن الفيروس، وسرعة انتشاره، وقدرته على الفتك بالبشر، ومدى اتساع نطاق الحجر الصحي، الأمر الذي دفع باللجنة الفنية لتحالف أوبك+ ، المعنية بمراقبة اتفاق خفض الإنتاج العالمي، إلى التحرك بشكل عاجل لتقديم اجتماع آذار (مارس) المقبل، إلى يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين في فيينا بهدف مراجعة أثر الفيروس الصيني على الطلب النفطي

في بداية الأزمة، كانت تكهنات السوق متضاربة، فلم يستطع المستثمرون توقع تأثير الفيروس بدقة على أسعار النفط، وخاصة على الطلب الصيني، في ظل قيود البيانات المفروضة على الإنتاج، والنقل، واليد العاملة، ونقص الشفافية التي تغلف بعض البيانات مخافة إثارة الهلع في الأسواق، ومع نهاية تداولات الأسبوع الماضي هبطت أسعار النفط مسجلة رابع خسارة أسبوعية على التوالي، فأغلق خام مزيج برنت عند 58.16 دولار للبرميل، بينما هبط الخام الأمريكي إلى 51.56 دولار للبرميل، وبهذا تكون أسعار النفط فقدت نحو 15% خلال كانون الثاني (يناير)، مسجلة أكبر تراجع لها منذ أيار (مايو) الماضي

مع اضطرار السلطات الصينية إلى إغلاق نظم المواصلات في كثير من المدن، والكثير من المصانع، ولا يبدو أن هذا سينتهي عمّا قريب، مع إصدار أوامر أخرى الجمعة للمصانع باستمرار الإغلاق حتى 10 من الشهر الجاري، تلقى الطلب على النفط ضربة موجعة، حيث تعد بكين واحدة من أكبر مستوردي النفط في العالم، الأمر الذي دفع بنك الاستثمار الأمريكي جولد مان ساكس إلى التحذير من أن الطلب العالمي على النفط قد ينخفض بمقدار 260 ألف برميل يومياً هذا العام نتيجة للفيروس القاتل

يقارن المستثمرين بين وباء سارس عام 2003 والوباء الحالي، ففي 2003 هبطت الأسواق، وكذلك في 2020، حيث تأثرت البورصات العالمية وأسواق النفط، لكننا، سنعجز عن إجراء مثل تلك المقارنة في حال أردنا التوصل لتأثير انتشار المرض على التوسع الاقتصادي، وبما أن وباء سارس جاء في نفس عام الغزو الأمريكي للعراق 2003، فمن الصعب الفصل بين الحدثين لمعرفة تأثيره على السوق، وإذا كان وباء سارس في عام 2003 دليلاً، فإن تلك العدوى الجديدة يمكن أن تقلص حوالي 3 دولارات من سعر برميل النفط

أثر انتشار المرض في الطلب على وقود الطائرات وبدرجة أقل في الطلب على البنزين والديزل، وربما يكون انتشار كورونا أشد وطأة من انتشار سارس في 2003 لأن حركة النقل الصينية أعلى بشكل لا يضاهى، وقد بدأت تبعاته تتجلى في الاقتصادات العالمية، والطلب النفطي ، حيث أوقفت رحلات شركات طيران عالمية مرموقة من وإلى الصين، مثل شركات لوفتهانزا الألمانية، ويونايتد آير كندا، وأمريكان آير لاينز، و برتيش آيرويز البريطانية، وكاثاي باسيفيك في هونج كونج

ربما تمتد عملية إيقاف الرحلات بين الصين وأمريكا الشمالية أو أوروبا لعدة أسابيع، بينما قللت شركات أخرى معدلات الطيران، وهذا ولا شك، سيلقي بظلاله على الطلب على وقود الطائرات، وهنا يجب ملاحظة أن زيادة طول المسافة بين آسيا وأمريكا الشمالية، أو غرب أوروبا، يعني بالتبعية زيادة معدل الوقود المستخدم، وبالتالي على فوات أو بقاء مكاسب بيع الوقود، فعلى سبيل المثال، تستهلك رحلة واحدة من لوس أنجلوس الأمريكية إلى العاصمة اليابانية طوكيو نحو 9500 جالون من وقود الطائرات، وهذا يعادل 226 برميل نفطي

لكن، مصدر الخوف الأكبر للمتداولين من الفيروس هو تسببه في تراجع وتيرة تقدم النشاط الاقتصادي في الصين، وأجزاء أخرى مهمة من العالم، كما أن تأثير الفيروس على الطلب العالمي للنفط يثير مخاوف المتداولين في أسواق النفط

رغم أن منظمة أوبك وحلفاؤها تعاملا بحرفية مع مخاوف الطلب خلال الربعين الأول والثاني من العام الجاري مع تخفيضات إنتاج تنتهي في آذار (مارس)، إلا أن أعضاء المنظمة قرروا عقد اجتماع طارئ خلال الأسبوع الجاري، لبحث ما إذا كانت التخفيضات ستستمر لما بعد آذار (مارس) أم لا؟، استشعاراً من المنتجين بضرورة التعامل الفوري مع تداعيات الفيروس القاتل على الطلب النفطي، وطمأنة الأسواق على أن الوضع مراقب عن كثب، وبالتالي التدخل عند الحاجة لإنقاذ الأسواق وإعادة التوازن المفقود لأسعار الخام، وبالرغم من ذلك، فإنه إذا استمر الفيروس القاتل في تخويف المتداولين في أسواق النفط خلال الأسابيع أو الشهور القادمة، فسينتبه المستثمرون عندها أكثر لمعدلات انتشار الوباء، ومعدلات الإنتاج ووفرة المعروض، وسيتصرفون على هذا الأساس

كاتب مصري متخصص في العلاقات الدولية والدبلوماسية