ما فعلته ريما خلف: للتذكير فقط


هل تذكرون ما فعلته السيدة ريما خلف قبل ثلاث سنوات (مارس 2017) حين ايقظت لدى الاسرائيليين شبح الابارتايد «الفصل العنصري»، واعادت الى ذاكرتهم تراجيديا ملحمة السكان الاصليين في جنوب افريقيا الذين انتصروا بعد خمسين عاما في معركتهم ضد العنصرية.
في ذلك التاريخ قدمت السيدة خلف استقالتها من الامانة العامة التنفيذية لمنظمة الاسكوا احتجاجا على منع الدراسة التي أشرفت عليها حول «النظام العنصري» في اسرائيل ، والتي كانت من اعداد شخصيتين معروفتين: أستاذ القانون الدولي في جامعة بيرستون (ريتشارد فولك)، وقد شغل منصب المقرر الخاص للأمم المتحدة المكلف برصد انتهاكات حقوق الانسان في فلسطين (2008 – 2014) واستاذة في العلوم السياسية في جامعة جنوب الينوي اسمها (فرجيني تيلي) إضافة الى عدد من الباحثين العرب.
استقالة السيدة خلف آنذاك اتاحت للرأي العالم الدولي ان يطلع على محتوى الدراسة ، كما انها اضافت «صرخة» اخرى لسلسلة صحوات الضمير التي بدأت في العالم الغربي «تحديدا» ضد ممارسات اسرائيل العنصرية، ومن المفارقات الغربية ان هذه الصرخة جاءت في توقيت حساس، حيث تستشعر تل ابيب قوتها وسط عالم عربي على وشك الانهيار، ودعم امريكي غير مسبوق، ومحاولات لفرض تسوية « اقليمية « لا رابح منها سوى اسرائيل.
ترصد الدراسة – استناداً الى تعريف نظام الابارتايد - عدة قوانين تثبت ان إسرائيل تمارس الفصل العنصري، منها قانون حق العودة الذي يتيح لأي يهودي في العالم ان يعود لإسرائيل ويحصل على جنسيتها بينما يمنع الفلسطيني اللاجئ المنفي من ارضه حديثا ان يعود إليها، ومنها القانون الإسرائيلي الذي يسمح للأزواج الإسرائيليين بالانتقال الى إسرائيل بينما لا يسمح للفلسطيني الذي يتزوج من حامل الجنسية الإسرائيلية بدخول إسرائيل او الحصول على جنسيتها، كما تسعى إسرائيل الى تفتيت الشعب الفلسطيني كأسلوب أمثل لتطبيق «الفصل العنصري» وتستخدم الحروب والضم الرسمي والتقسيم وهدم المنازل والحصار.
وتخلص الدراسة الى اعتبار إسرائيل، وبالأدلة القاطعة، مدانة بجريمة الابارتايد المطبق على الفلسطينيين، وهي بمثابة جريمة ضد الإنسانية لا تعلو عليها الا جريمة الإبادة البشرية، ثم يدعو الأمم المتحدة الى تقديم النتائج لأي محكمة دولية لكي تصبح قانوناً ساري المفعول، وبعدها يتحتم على دول العالم ان لا تعترف بشرعية هذا النظام وان لا تتعامل معه او تقدم المساعدة اليه، تماما كما حدث مع النظام الذي حكم جنوب افريقيا حتى عام 1994م.
لم يسمح للتقرير الذي صدر ان يمرر، بالطبع، كما حصل مع غيره من التقارير، وحتى لو مرّ فإنه لن يتحول الى قانون ولن يجد من يطبقه، لكن تبقى مسألتان مهمتان : احداهما ان ما تضمنه هذا التقرير يشكل «صفعة» لإسرائيل وانتصاراً أخلاقيا للشعب الفلسطيني، كما انه يشكل ادانة للأمم المتحدة ولكل المؤسسات الدولية التي تنكرت للقيم والمبادئ الإنسانية حين انحازت لإسرائيل وانكرت حق الشعب الفلسطيني المظلوم، أما المسألة الأخرى فهي ان رسالة الاستقالة التي بعثتها ريما خلف لأمين عام الأمم المتحدة، ستظل شاهداً على جريمة ما تزال قائمة ومستمرة.
ما احوجنا اليوم بعد اشهار «صفقة القرن» التي تمثل ابشع صور الفصل العنصري الى «دبلوماسية» عربية تحمل هذا الملف وتطوف به العالم .