أمين "البعث التقدمي" ... وحديثه للرأي
استوقفني الحديث الذي ادلى به السيد فؤاد دبور ، الامين العام لحزب البعث العربي التقدمي في الاردن ، لصحيفة "الرأي" اليوم ، عند بعض النقاط التي لا بد ان يتوقف عندها كل غيور على البعث ، هذا الحزب القومي الاصيل ، ذو الفكر المتجذر ، المنطلق من واقع معايشة هموم ابناء العروبة ، وحال التمزق التي ادت الى ما نحن فيه من هوان ، ارضنا محتلة في اكثر من قطر عربي ، وواقع اقتصادي سياسي اجتماعي لا نحسد عليه ، اصبحنا لقمة سائغة للاعداء ، يحتلون ارضنا ، وينهبون ثرواتنا ، يزرعون الفتن بيننا ، يهددون لقمة عيش وأمن اجيالنا القادمة .
اود هنا التعليق على نقطتين مما ورد في مقابلة السيد دبور ، الاولى هي رده على سؤال حول ضعف التوسع التنظيمي ، حيث برر ذلك بوجود موروث من التضييق على العمل الحزبي ، ويقصد بذلك ، ما تختزنه الذاكرة من قمع للاحزاب ، ساد في فترة الاحكام العرفية ، كالقيود على العمل والدراسة وحجز جوازات السفر ، وهنا اود التأكيد ان هذه المرحلة قد انقضى عليها 22 عاما بالتمام والكمال ، حيث انتهت الاحكام العرفية عام 1989، وقد شهدت ايضا ، حالة من التراخي في تطبيقها تجاه الاحزاب ، خلال اكثر من عقد من الزمن سبق ذلك التاريخ .
انها فترة طويلة ، كي يعزز اي حزب تنظيمه ، فحزب البعث العربي الاشتراكي ، قاد ثورة الثامن من آذار في سوريا ، واستلم قيادة القطر الشقيق في عام 1963 ، اي بعد 16 عاما من تاسيسه ، ولا يجب ننسى ، ان الاردن يعيش منذ ذلك التاريخ ، حرية في الكلمة والتعبير عن الرأي قل نظيرها ، تجاوزت فيها حرية الكلمة خطوطا حمراء دون قمع من السلطة ، وشعبنا يمارس حريته ، سواء بتعقل او بتهور ، ومن هذه مواصفاته ، لا يمكن ان يعيش عقدة ما يسمى "الاحكام العرفية" ، والحكومة تشجع على العمل الحزبي ، لا بل تؤكد على ضرورة تقوية العمل الحزبي ، من خلال الدعوة لدمج الاحزاب المتشابهة في الاهداف ، فمقولة التضييق على الاحزاب ، من حيث قمع المنتمين لها غير دقيقة ، وقد عفى عليها الزمن ، خاصة ان الاحزاب تعمل وفق ترخيص رسمي ، ولا بد من البحث عن الاسباب الحقيقية لابتعاد الجماهير عن الاحزاب ، والتسبب في ضعف العمل الحزبي في الاردن بشكل عام ، ولحزب البعث العربي التقدمي بشكل خاص ، وهو امتداد لاحد اعرق الاحزاب على الساحة الاردنية ، شهد مدا جماهيريا في ظل الاحكام العرفية ، وانحسارا في ظل الديمقراطية ، والجميع يعلم ان العمل الحزبي ، هو طريق نضال تطوعي ، وليست مهنة للتكسب والترفيه ، وتستلزم التضحية بالوقت والجهد على اقل تقدير ، ومن يخشى تضييقا كالذي ذكر ، ان وجد ، فهو غير جدير بالعمل الحزبي ، او لا يمتلك الوعي الكافي لمنسوب الحرية في الاردن ، ولا يجوز تصوير البعثيين ، على انهم يعيشون عقدة نفسية ، اسمها "مرحلة الاحكام العرفية" ، خاصة ان تلك المرحلة لم تتصف بالدموية .
اما المبرر الاخر لضعف التنظيم الحزبي ، لحزب البعث العربي التقدمي ، فهو فهو كما اورده السيد دبور حين قال ) واجهنا ايضا انسحابات في الحزب وخصوصا بعد المؤتمرات الحزبية نتيجة عدم اقتناع الشخص بالمنصب الذي يحصل عليه كونه انضم للحزب لتحقيق اطماع شخصية ( ، وهنا اود ان اشير الى ان كلمة الانسحابات فضفاضة ، تشمل الفصل من الحزب ، هذه العقوبة التي ازدهرت في عهد السيد دبور ، نتيجة مواقف لا تتنافى مع مبدا الديمقراطية المركزية التي ينتهجها الحزب ، لكنها لا تنسجم مع نهج السيد دبور ، واود ان اساله ايضا ، ما هو عدد الرفاق المنسحبين ومن اندرج تحت هذه التسمية ، وهل لو استمروا في الانتساب للحزب ، سيكون الوضع التظيمي افضل ، وهل جميع هولاء المنسحبين لهم اطماع شخصية في تولي المناصب الحزبية ، الا يوجد في الاردن بعثيون قدامي ، يستحقون ان يكونوا في المواقع القيادية ، لماذا يتم استبعادهم ، وهل يتم توزيع المناصب في الحزب على اسس انتقائية ، حتى يغضب فلان وينسحب ويرضى آخر ، ام ان هناك النظام الداخلي الذي يحكم هذه العملية ، الا توجد انتخابات حزبية لاشغال هذه المناصب ؟ ان انسحاب مثل هولاء من الحزب ، ان صحت المبررات ، هو تقوية للحزب وليس اضعافا له ، لكن الحقيقة هي فصل عدد كبير من كوادر الحزب ، لعدم انسجامهم مع السيد دبور .
واود هنا ان اسأل السيد دبور سؤالا ربما يعتبر شخصيا ، الرفيق عاصي نصراوين ، الذي قضى اكثر من نصف عمره في العمل الحزبي ، حيث انتسب للحزب منذ عام 1963 ، في ذروة الاحكام العرفية ، وكنت انت تعمل في الكويت ، وحضرت للاردن قبل ترخيص الحزب في عام 1993 بعدة سنوات ، وقد شغل موقع عضو القيادة المركزية للحزب عند التاسيس ، والتي هيأت لاحقا لعقد المؤتمر العام الاول عام 1999 ، حيث جرت اول انتخابات للقيادة المركزية ، وفاز بعضوية القيادة المركزية ، رغم كل محاولات افشاله ، لماذا تم فصله من الحزب لاحقا بعد اقل من شهرين من نجاحه بالانتخابات ، وفشل المراهنة على افشاله فيها ، وفي اول اجتماع للقيادة الجديدة بعد الانتخابات طال انتظاره ، هل كانت له اطماع شخصية ؟ هل كان يطمح بان يصبح الامين العام بدلا منك ، وهو المنصب الوحيد الاعلى من منصب عضو قيادة مركزية ؟ وهل هكذا نكرم مناضلي الحزب القدامى ، لقد قرات على موقع الحزب الام على الانترنت ، كيف كرمت قيادة الحزب في سوريا قبل اشهر ، عددا من قدامى البعثيين من سوريا والوطن العربي ، منهم الدكتور علي محافظة من الاردن ، وهو على ما اعتقد ابتعد عن العمل الحزبي منذ عقود ، اي انه انسحب من العمل الحزبي ، فهل هو ضمن هذا التصنيف الذي ذكرته ؟
اما النقطة الثانية في حديث السيد دبور ، والتي اود التعليق عليها ، هو ما ذكره في اخر فقرة من المقابلة معه حين قال ( انا ضد من يقول ان الشرارة في الثورات العربية جاءت بيد الاجنبي ، فالعملية بدأت في تونس من خلال محمد بوعزيزي ، ولا اظن ان له ارتباطات مع جهات اجنبية ، بل كان الموضوع الحفاظ على لقمة عيشه ، لكن الخطورة تكمن في استغلال الدول الغربية الامور لتصب في مصلحتها لتحقيق اطماعها من كافة الجوانب) ، فهل ينطبق ذلك على مصر ايضا ، الم تسمع باسم الشاب وائل غنيم ، والدور الذي تم تهيئته له ، وهل ينطبق هذا التحليل على المؤامرة التي تنفذ ضد سوريا الآن ، وقد خطط لها منذ سنوات طويلة ، واخذت اشكالا متعددة ، وكان مقدرا لها ان تنفذ عقب غزو العراق ، لولا المقاومة التي انهكت الغزاة ، الم تبني تركيا معسكرات للاجئين السوريين قبل خمسة اسابيع من اندلاع المظاهرات في سوريا ؟ هل كل هذا المخطط الاعلامي التضليلي ، واخر فصوله قصة زينب الحصني ، واستقدام خبراء التلاعب بالصور ، والتحالف المنسق بين الاطراف التي وقفت ضد سوريا ، هو وليد ساعته ، ولم يجري الاعداد له منذ سنوات ؟ وهنا ايضا اود ان اسأل عن دور حزب البعث العربي التقدمي ، في التصدي للمؤامرة وتوضيح اهدافها ، ونحن نمتلك في الاردن وسائل الاعلام الحرة ، وحرية التحرك بين الجماهير ، لاقامة الندوات والمهرجانات والمسيرات ، كما يفعل اصدقائك في جبهة العمل الاسلامي بكل حرية ، فهل يكفي عدة مقالات في صحيفة الدستور ، والتي تتعامل معها منذ اكثر من عشر سنوات ، او يكفي لقاء واحد في محطة فضائية ، او زيارة وفد شعبي الى دمشق ؟ ونحن نعلم ان مقالات كهذه يكتب مثلها مواطنون غير حزبيين ، بدافع ذاتي من قناعاتهم ، وان زيارة الوفد الشعبي كانت بمبادرة ومشاركة من شخصيات غير بعثية ايضا .
ان مشكلة الاحزاب الاردنية ، ومنها حزب البعث العربي التقدمي ، هي من صنع يدي قياداتها ، سواء من خلال البرامج غير الواقعية التي تطرحها ، او غياب هذه البرامج تماما ، والاولى بهذه الاحزاب ان تصلح نفسها قبل ان تطالب الحكومة بالاصلاح ، وان تمارس الديمقراطية داخل هياكلها التنظيمية ، قبل ان تطالب الحكومة بمزيد من الديمقراطية ، وان تحارب القساد داخلها ، قبل ان تطالب الحكومة بمحاربة الفساد ، وان يصبح قادتها قدوة للشعب في النضال والتضحية والزهد بالمناصب ، ينزلون الى الشارع لمعايشة الجماهير ، لا العيش في ابراج عاجية ، والتشبث بالكراسي الى ما لا نهاية ، ومحاربة كل من يتوهمون منافسته لهم على الزعامة ، كما انه مطلوب منها تفعيل دور الاعضاء في احزابها ، لا مجرد ان يكونوا اسماءا على الورق ، اكتفي بهذه النقاط الآن ، وللحديث بقية .
مالك نصراوين
05/10/2011