حبّ وراء الحدود

اخبار البلد-

 

 من الأسئلة التي تلح ّ علي دائماً وكیف یمكن أن یتقلص عن قطعة كانت ذات یوم من الوطن ثم أصبحت تابعة لجغرافیا أخرى نتیجة حروب أو !نزاعات أو تقسیم حدود إن العلاقة بین الإنسان والمكان الذي یعیش فیھ تكاد تكون علاقة مقدسة، لأن الإنسان وھو یأكل مما تنتجھ أرض وطنھ ویشرب من مائھا ویتنفّس ھواءھا یصبح بالنتیجة جزءاً منھا وامتداداً فسیولوجیاً لھا تماماً مثل كونھ امتداداً فسیولوجیاً ّ لأمھ وأبیھ، ولذلك لا نعدو الحقیقة عندما نقول إن الوطن ھو أم للمواطن، والعلاقة بینھما كعلاقة الأم وبیولوجیاً . ّ بأبنائھا، والحب ّ المتبادل بینھما كالحب المتبادل بین الأم وأبنائھا ّ ولكن من المعلوم أن الإنسان عندما یولد في وطن وینشأ ویعیش فیھ ویعتمد في نموه على ترابھ ومائھ وھوائھ، لا یمكن ّ ویتغنى بحب أمیركا قد لا یكون رأى أكثر أن یأخذ ذلك عن كل بقعة في الوطن، فالأمیركي الذي یفخر بكونھ أمیركیاً من واحد في الألف من مساحة وطنھ، والصیني الذي یعشق الصین ویفخر بانتمائھ لھا لا یمكن أن یكون عرف من الصین أكثر من البقعة الجغرافیة المحدودة التي ولد فیھا، حتى اللبناني الذي یتغنى بلبنان لیلاً ونھاراً ربّما لم یعرف .جمیع مدن لبنان وقراه، وھكذا ّ لكن ّ حب ّ اللبناني للبنان والصیني للصین والأمیركي للولایات المتحدة یتوز ّ ع على كل مساحة وطنھ، مھما بلغت .مساحتھ وتباعدت مدنھ وقراه وولایاتھ واتسعت أقطاره وامتدت حدوده وحب الوطن في مثل ھذه الأحوال ینبع من داخل الإنسان وھو مسألة روحیة عاطفیة لا تعترف بالقیود، ولا یمكن أن تتقلّص عن ھذه القریة أو تلك المدینة حسب موقع السیاج الحدودي، ولا أستطیع أن أتخیّل حبّاً یتحكم فیھ سیاج یفصل ٍ بین مدن ً أو قرى ٍ أو أراض ّ ، فالحب لا شأن لھ بمثل ھذه الاعتبارات التي تصنعھا الظروف والحروب والأحقاد ّ متحر ّ كة غیر ثابتة، فإذا كان حب ّ والتحالفات وسواھا، والحدود التي یقررھا سیاج شائك ھنا أو ھناك لم تكن یوماً إلاّ ّ بھذا السیاج، فھل یكون الحب متسعاً تارة ومتقلّصاً تارة أخرى حسب حركة ھذا ا?سیاج؟ الوطن مرھوناً كانت الأرض العربیّة كلّھا ذات زمن ناضر وطناً واحداً، وكان إذا قلت إنك عربي، یعني أنك تنتمي إلى الأرض ّ ھا من أقصاھا إلى أقصاھا دون اعتبار لأي حدود جغرافیة .العربیّة كلّھا وتحبّ ّ ك عربي ٍ فإنك لا تعني ما تحملھ ھذه الصفة من أبعاد ودلالات، لأنك لا ترى الأرض ّ أما الیوم فإنك عندما تقول إنّ العربیة وطناً واحداً لجمیع العرب، وما علیك حتّى تضمن السلامة إلاّ أن تحدّد انتماءك الجغرافي الضیّق، وأن تتناسى .ما ضاع أو اقتطع من الأرض العربیّ ّ ة ولا تجاھر بحبك أو حنینك لھ. فالحب ٌ مرھون بألف سیاج وسیاج