صفقة القرن صنعها الواقع العربي المنحط وليس ترامب

اخبار البلد - د. عبد الحي زلوم

أعلن دونالد ترامب بينما كان يقف بجانبه نتنياهو أنه سيعلن الثلاثاء عن صفقة تصفية القضية الفلسطينية والتي اسماها صفقة السلام، ومما قاله أنه عرضها على بعض الدول العربية المؤثرة ولاقت استحسانهم، وسيكون نقاط تلك الصفقة جديداً قديماً حيث وضعها نتنياهو بخط يده لينفذها وكلاؤه في البيت الابيض عبر الصهاينة العرب، دعني من البداية اقول أنها صفقة لا تقدم ولا تؤخر في الواقع شيئاً فليست المستوطنات غير شرعية انما تل أبيب والكيان نفسه غير شرعي

ومن حسنات هذه الصفقة أنها كشفت الاقنعة عن الوجوه الكالحة وأصبح هناك طريق واحد لا غير وهو طريق المقاومة

اعتمدت الولايات المتحدة في سياستها في المنطقة بهدف السيطرة على النفط وسرقة وتدوير بترودولاراته الى خزائنها بأن صنعت أشباحاً ليكونوا أعداء لأنظمة شمولية جاهلة تكذب أو يُكذب عليها فتصدق كذبتها، بعدما انتهى شبح (العدو ) صدام حسين جاء شبح الجمهورية الاسلامية في ايران وتم التركيز على لعبة الفرقة بين السنة والشيعة، وهنا أبدا القول بما قاله رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد حين قال: كفانا اضاعة جهودنا في مصارعة طواحين الهواء عبر الدخول في معارك تاريخية الصراع بين السنة والشيعة على الجميع أن يدرك أن فتاوى النخب الدينية ليست ديناً .

الصورة النمطية في المشرق العربي عن تجار الدين وأكثرهم هم من وعاظ السلاطين هي أنهم أقرب الى السلاطين من قربهم الى الله وهذا صحيح، لم أصدق عيني ولا أذني وأنا أسمع على قناة رسمية لدولة عربية أحد هؤلاء من وعاظ السلاطين يثبت لمشاهديه بأن الادعاء بدوران الأرض هي أكذوبة، وكبير واعظين اخر يجزم بأن الأرض منبسطة وأن ادعاء كرويتها هي بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، أفتى هؤلاء الفتاوى ليقتل المسلم أخيه المسلم مع أن دين الاسلام يقول أن من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا، مثل هؤلاء (الفقهاء) ومثل هذه الأنظمة هي التي صنعت صفقة القرن قبل أن يصنعه نتنياهو ودونالد ترامب

لكن هل ان قادة الثورة الاسلامية الايرانية هم من أمثال هؤلاء الوعاظ وتجار الدين؟، ذلك لأن أي مقاومة يجب أن تقوم على أساس عقيدة راسخة ومبنية على علوم العصر وتكنولوجياته

ما يهمنا هنا أن الجمهورية الاسلامية في ايران هي دولة عقائدية مسلمة تؤمن كما يجب أن نؤمن نحن العرب بأن تحرير الأراضي المغتصبة والمحتلة وخصوصاً في أرض بارك الله حولها وأسرى نبينا من أرضها هو فرض لا ترف على كل مسلم .من هذا الواقع نتساءل هل وعاظ الجمهورية الاسلامية وفقهائها هم مثل أكثر فقهائنا من الجهلة والمرتزقة وهل أنهم يعيشون في ظلام أو أنهم في طليعة المتنورين والباحثين في علوم العصر والتي يمكن أن تكون عاملاً مساعداً في نهضتنا أيضا .دعنا اذن نذكر بعض الحقائق:

عندما قامت الثورة في ايران غيرت اسمها ليصبح الجمهورية الاسلامية في ايران مقدمة بذلك الحضارة الاسلامية الجامعة على القوميات

وكان من أوائل أعمالها أن سحبت اعترافها بدولة الكيان المحتل بل وحولت سفارته والذي كان وكراً للتآمر على العالم العربي لتصبح سفارة لفلسطين

الجمهورية الاسلامية في ايران ساعدت المقاومة السنية في غزة والشيعية في أمثلة أخرى .هل كان في ذلك تقاطع مصالح الجواب نعم ولكن لما لا ؟

استطاعت المقاومة حتى في غزة المحاصرة من العرب قبل الصهاينة أن تخلق ردعاً مع العدو الصهيوني يحسب له حسابا كبيرا

واستطاعت ان تساعد حزب الله بأن يخلق ردعاً مع العدو الصهيوني فشلت كافة جيوش النظام الرسمي العربي من تحقيقه بل وخلقت ما يسميه الاعداء بتهديد وجودي للكيان نفسه

ووقفت مع قضايانا جملة وتفصيلاً وهي اليوم ستكون مركز مقاومة صفقة القرن وباقي الصفقات المشبوهة

تحت أقسى أنواع الحصار والعقوبات استطاعت أن تصنع انجازات مذهلة في مجال العلوم والتكنولوجيا والفضاء والاسلحة وهذا بعضها كما ورد في المصادر الغربية لا الايرانية:

ارتفع متوسط العمر المتوقع من 50 إلى 75 عامًا

شهدت إيران ارتفاعًا في عدد الأطباء المتخصصين، اذ قبل الثورة، كان هناك 5890 طبيب متخصص، بعد الثورة، ارتفع عدد الأخصائيين الاطباء، ولا سيما الطبيبات، إلى 36000 طبيب

بناءً على تقارير البنك الدولي ، في عام 2009 ، احتلت إيران المرتبة 21 من حيث جودة وعدد المستشفيات. و في عام 2017 ، تم الاعتراف بإيران كثاني دولة في العالم في مكافحة الأمراض المعدية

النمو السريع لإيران في علم وتكنولوجيا النانو ، كان مذهلًا للغاية.. من بين 117 دولة تمت دراستها والتي تمتلك هذا العلم ، في عام 2017، قفزت إيران مع نمو سريع ومذهل 42 مستوى وحلت في المرتبة 16

تشير الإحصاءات إلى أنه في عام 1996 ، كانت إيران هي الدولة الخامسة والأربعين في العالم من الدول المنتجة للمقالات والابحاث العلمية حول مواضيع متعلقة بالفضاء الجوي. وفي عام 2017 احتلت إيران المرتبة 11 في العالم في الإنتاج العلمي المتعلق بالفضاء

في عام 1996 ، احتلت إيران المرتبة 70 في العالم من حيث الإنتاج العلمي والأبحاث . في عام 2017 ، نشرت إيران 354 مقالة علمية في هذا المجال ، مما دفعها إلى المرتبة 12 في جميع أنحاء العالم

في عام 2017، حققت إيران أعلى نمو علمي في مجال العلوم الهندسية والتقنية في العالم ؛ اذ احتلت المرتبة الأولى في مجال الطيران في المنطقة ، والثانية في مجال تقنيات الإطلاق والبنية التحتية

الفضائية في المنطقة ، و 4 في العالم من حيث تقنية النانو ، والثانية في مجال الخلايا الجذعية في المنطقة. كما احتلت إيران المرتبة الأولى بين الدول الإسلامية و 23 في العالم ، من حيث التكنولوجيا الحيوية

في يوليو 2010 ، كشفت إيران عن أكبر تلسكوب محلي الصنع يطلق عليه تارا

تحتل إيران المرتبة 12 في مجال الطاقة (2018) اذ حصلت إيران على الخبرة الفنية لإنشاء محطات توليد الطاقة الكهرومائية والغاز والدورة المركبة، إيران من بين دول العالم الأربعة القادرة على تصنيع توربينات غازية متقدمة

إيران قادرة على إنتاج جميع الأجزاء اللازمة لمصافي الغاز لديها وهي الآن ثالث دولة في العالم تقوم بتطوير تكنولوجيا الغاز إلى السوائل

تنتج إيران 70٪ من معداتها الصناعية على المستوى المحلي بما في ذلك التوربينات المختلفة والمضخات والمصافي وناقلات النفط ومنصات البترول والمنصات البحرية وأدوات الاستكشاف. وبقي ان ابين أن حسن روحاني رئيس الوزراء يحمل شهادتي الماجيستير والدكتوراه من بريطاني وأن وزير الخارجية محمد جواد ظريف يحمل كافة درجاته الجامعية بما فيها الدكتوراه من الجامعات الامريكية

انصهرت الحضارة الفارسية واصبحت جزءأ من الحضارة الاسلامية التي لا تفرق بين عربي على اعجمي الا بالتقوى . حتى اللغة العربية كان سيباويه من بلاد فارس وهو ابو اللغة العربية .وعلينا أن نتذكر أنهم يتكلمون العربية في صلواتهم خمس مرات في كل يوم

يعيش عالمنا العربي اليوم عصر انحطاط غير مسبوق تتكالب عليه كل الدول وتنهش في ثرواته نهباً وفي بشره تقتيلاً وعلى بلدانه تآمراً كما يحدث اليوم لمحاولة تصفية القضية الفلسطينية بتآمر من الصهاينة الامريكان والعرب . كما أن الصهاينة المسيحيين واليهود يعتقدون بأن سرقة فلسطين ومقدساتها وتسليمها لليهود هي أحد شروط خلاصهم يوم القيامة يعتقد المسلمون وفي مقدمتهم الجمهورية الاسلامية في ايران ان انقاذ أي ارض اسلامية محتلة وخصوصًا ارض فلسطين التي بارك الله حولها بان تحريرها هو فرض عين على كل مسلم

يتم محاربة واستهداف الجمهورية الاسلامية في ايران للأسباب الأتية :

كانت ايران الشاه كلب الحراسة الامريكية في الخليج وكانت دوله ودويلاته تحج الى طهران لتقديم السمع والطاعة فثارت لتمسك مقدراتها بأيديها ولشعبها

ولعل اسمها الجديد الجمهورية الاسلامية في ايران هو أحد الاسباب لما يرمز الاسم له من معاني

لتحقيق الهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية وهو خلق امبراطورية صهيوأميريكية عالمية أوضح جورج دبليو بوش في المبدأ المسمى باسمه بأن على العالم أجمع أن يتقبل النظام الرأسمالي الامريكي بكليته كنظام صالح لكل زمان ومكان وأن من ليس معه فهو ضده وستتعامل معه الولايات المتحدة بكل الطرق المتاحة لها . ولقد تم شن الحروب على كل الحضارات المنافسة كالحضارة الاسلامية تحت العنوان المخادع (الحرب على الارهاب)والذي سماه رئيس وكالة الاستخبارات اللامريكية الاسبق جيمس ويلزي بأنها حرب أجيال ضد الحضارة الاسلامية كونها عائق للعولمة الامريكية

الطمع في ثرواتها النفطية كونها من أكبر 5 دول صاحبة احتياطات نفطية وثاني أكبر دولة في احتياطات الغاز في العالم ولها من المقدرات ما ييسمح لها بأن تكون قوة اقليمية فاعلة لكنها خطرة كونها تحمل ايديولوجية معادية للرأسمالية الصهيوأميريكية وقاعدتها الشرق أوسطية في فلسطين

لم يكن من قبيل الصدفة أن تم تسميتها مع سوريا والعراق بمحور الشر والذي استهدفه جورج بوش بالاحتلال بدءاً باحتلال العراق ولكن لم تجري الرياح كما تشتهي السفن. القاسم المشترك بين كل تلك الدول انها حققت نموا واكتفاءا ذاتيا دون الرجوع الى أدوات العولمة والهيمنة الامريكية كصندوق النقد الدولي ودون اللجوء الى مصائد الديون المرافقة لهذه الادوات

وأخيرا وليس آخرا فلسفتها العقائدية بوجوب ازالة الاحتلال الصهيوني عن فلسطين

والخلاصة: انا لست محامياً للدفاع عن الجمهورية الاسلامية في ايران فهي قادرة للدفاع عن نفسها . ما يهمني هو اننا نتعرض اليوم الى هجمة غير مسبوقة لاغتصاب اراضينا ونهب ثرواتنا ونحن كالايتام في مأدبة اللئام .هناك محور مقاومة تتقاطع مصالحه مع مصالحنا فالأحرى ان نتعاون معه بما فيه المصلحة المتبادلة لا التبعية . في عالم اليوم المتشابك التحالفات بين من تتقاطع مصالحهم اصبحت التحالفات بين من تتقاطع مصالحهم من الضرورات

روسيا الاورثوذكسية تتعاون مع تركيا المسلمة. وايران المسلمة تتعاون مع الصين الملحدة وروسيا الاورثوذوكسية وليس بينهم تابع ومتبوع وانما تقاطع مصالح

في حالة تقاطع المصالح يتعامل الفرقاء كالأنداد يتفقون حيث تتوافق المصالح دون اي تبعية. يبقى الروسي روسيا ووالإيراني ايرانيا ويستطيع العربي ان يكون قوميا عربيا حتى النخاع! اذا كان بعض العرب يتحالف مع مغتصبيهم وسارقي ثروات امتهم ومدنسي مقدساتهم ومحتقريهم جهارا نهارا افلا من المنطق ان نتحالف مع بني حضارتنا الجامعة الواحدة الموحدة كانداد نتقق بان تحرير بلادنا هو فرض ديني مقدس؟ عندها تذهب صفقة القرن واصحابها الى الجحيم، وليس ذلك على الله ببعيد

مستشار ومؤلف وباحث