الطائرة الأوكرانية و«لحظة تشيرنوبل»
اخبار البلد-
يغوي تحول موقف الجمهورية الإسلامية بشأن مصير رحلة الخطوط الجوية الدولية الأوكرانية رقم 752 مراقبي إيران بالتكهن بأن تصبح تلك المأساة مثل «لحظة تشيرنوبل» بالنسبة إلى النظام الحاكم في طهران.
تنطوي تلك الصورة على الأمل في أن ينذر إسقاط الطائرة بنهاية النظام الاستبدادي الحاكم، مثلما أنذرت الكارثة، التي وقعت في ضواحي مدينة بريبيات منذ 33 عاماً، بانهيار الاتحاد السوفياتي.
الانجذاب نحو هذه المقارنة أمر مفهوم، وليس ذلك فقط بسبب إعادة المسلسل التلفزيوني القصير من إنتاج «إتش بي أو» و«سكاي»، الذي حصد جوائز، الكارثة النووية إلى الأذهان مرة أخرى، وتذكيره لنا بعلاقة تلك الكارثة بانهيار الإمبراطورية الشيوعية، حيث توجد بعض نقاط التشابه الواضحة. كان تسلسل استجابات طهران تجاه تفجير الطائرة وإسقاطها يشبه تسلسل استجابات موسكو عقب انفجار المفاعل «تشيرنوبل»، حيث جاءت على النحو التالي: إنكار، ثم محاولات غير متقنة لإخفاء حقيقة الأمر، ثم كشف حكومات أجنبية له، ثم اعتراف متردد، وأخيراً اعتذار محمّل بالتحذير وإلقاء اللائمة على طرف آخر. كذلك توجد نقاط تشابه أخرى في الخلفية السياسية للحدثين. أولاً إيران في حالة عزلة مثلما كان الاتحاد السوفياتي، واقتصاد الدولة مرتبك وفي حالة فوضى. كذلك لم يعد لديه الكثير ليقدمه إلى شعب بائس سوى بعض المهدئات القديمة عن الغدر الأميركي. وقد أوضحت الاحتجاجات، التي اندلعت في شوارع إيران خلال نهاية الأسبوع الماضي، عدم اقتناع الإيرانيين بهذا النوع من الدعاية المبتذلة مثل مواطني الاتحاد السوفياتي عام 1986.
إلى هنا تنتهي مواطن الشبه، حيث لا يوجد ميخائيل غورباتشوف في طهران ليعترف بفراغ وخواء النظام، ويسمح بخروج السخط الشعبي من النفوس لتدشين إصلاحات سياسية تضع نهاية للحقبة السوفياتية بعد ثلاث سنوات من وقوع كارثة «تشيرنوبل». لطالما كان الأمل في أن يصبح الرئيس حسن روحاني مثل غورباتشوف في غير موضعه على الأقل لعدم امتلاكه سلطة حقيقية فعلية، والرجل الذي يملك تلك السلطة، وهو المرشد الأعلى علي خامنئي، أبعد ما يكون عن غورباتشوف حتى نتصور أن يكون مثله في العصر الحديث، فهو على العكس منه تماماً متمسك إلى أقصى حد بمنصبه والأسس الاستبدادية للجمهورية الإسلامية. كذلك لن يشعر بوخز الضمير من ذبح مئات الإيرانيين، ومئات الآلاف من العرب في سوريا، والعراق، ولبنان، واليمن للدفاع عن تلك الأهداف والغايات. كذلك يحظى بولاء لا يتزعزع من جانب الحرس الثوري الإيراني، وقوات الباسيج داخل إيران، وشبكة من الجماعات الإرهابية والجماعات المسلحة التي تعمل بالوكالة في أنحاء الشرق الأوسط. هل يمكن لمأساة الرحلة 752 أن ترقق قلوب من يقتلون ويشوهون لإرضاء خامنئي؟ احتمالات ذلك ضعيفة للغاية؟
مع ذلك، يشير تواصل الاحتجاجات المناهضة للنظام إلى وجود الآلاف من الإيرانيين الذين يتحلون بالشجاعة، والعزم على استغلال الفرصة، حيث خرج أشجعهم إلى الشوارع من دون توقع أي تصرف لين. لم أرَ أو أسمع بعد، في الكثير من المقاطع المصورة للاحتجاجات التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، أي إشارة إلى «تشيرنوبل». من المؤكد أن الكثير من الإيرانيين، الذين اعتادوا التحايل على طرق الحجب الرقمي التي يستخدمها النظام لمنع البرامج والأعمال التلفزيونية الغربية، قد شاهدوا ذلك المسلسل التلفزيوني. ومن المفارقة أن يكون أحد مستشاري روحاني من أشد المعجبين بهذا المسلسل.
في الواقع لا يحتاج الإيرانيون إلى صور وتشبيهات أجنبية بعيدة عنهم، فتاريخهم زاخر بالأمثلة ذات الصلة بوضعهم الراهن. هناك مثال واحد على الأقل يقترب كثيراً من واقعة إسقاط طائرة الرحلة 752، وربما أيضاً مما يمكن أن يؤدي إليه ذلك الحادث في نهاية المطاف. في ليلة الثامن عشر من أغسطس (آب) عام 1978، اندلع حريق في سينما في مدينة عبادان بالقرب من الحدود مع العراق. وأسفر الحريق عن وفاة ما بين 420 و470 شخصاً، وسرعان ما تبين أن الحريق لم يكن قضاءً وقدراً، حيث حمّلت حكومة الشاه، التي كانت تشعر بالفعل بآثار السخط الشعبي المتجلي، الإرهابيين الماركسيين مسؤولية الحريق. وحمّلت المعارضة، بقيادة آية الله الخميني، جهاز الاستخبارات، الذي كان مثار رعب ورهبة، المسؤولية. كان فيلم «الغزال»، الذي كان يتم عرضه آنذاك، يقدم انتقاداً مخفياً قليلاً للحالة الاقتصادية العصيبة التي كان يعيشها أكثر الإيرانيين، وللفساد المستشري الذي يمارسه نظام الشاه.
تمر السنون وتظهر حقيقة حريق سينما «ريكس»، فقد كان مرتكبو الجريمة من مؤيدي الخميني، وقد فعلوا ذلك متأثرين بازدراء رجل الدين للسينما باعتبارها وسيلة من وسائل الانحلال الغربي.
وتعتبر هذه الحادثة حالياً واحدة من أفظع الأعمال الإرهابية وأبشعها، ومع ذلك في أعقاب الحريق ألقى الإيرانيون باللائمة على نظام الشاه، وأصبحت سينما «ريكس» بمثابة صرخة تدعو إلى الاحتجاج في أنحاء البلاد. خلال الأشهر التالية اتسعت الاحتجاجات، وازدادت وتيرتها؛ مما أدَّى إلى حدوث حالة اضطراب أجبرت الشاه على الهرب، وتم تأسيس الجمهورية الإسلامية.
لقد أثارت مأساة الرحلة 752 الاستياء الإيراني بالفعل، وهو تأثير سوف تضخمه وتعززه استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير، وتداول المقاطع المصورة الملتقطة عبر الهواتف المحمولة. لم تكن تلك الوسائل متاحة للمحتجين المناهضين الشاه عام 1978، حيث كانت الوسيلة الأكثر شبهاً بتلك الوسائل هي شرائط الكاسيت التي تحمل دعوات الخميني للثورة. ويعي خامنئي، خليفة الخميني، هذا التاريخ جيداً، ومن المرجح أن يتحرك بقسوة وعنف نحو قمع المظاهرات ووأدها كما فعل في السابق. مرة أخرى يصبح النظام مستهدفاً من شعبه وموضع انتقاده حتى مع تسبب مقتل قاسم السليماني، الأكثر تأثيراً وقوة في عملية قمع الشعب، في حرمانه من بطل أسطوري. وحتى إذا لم تصبح عملية إسقاط الطائرة المدنية مثل حريق سينما «ريكس» تماماً في تأثيرها، وتصبح أقل شبها بـ«تشيرنوبل»، تظل ضربة قوية لخامنئي ولنظام بات مفلساً على جميع المستويات والصعد.