من يؤلِّب ضد الدولة؟!
على غير ما درجت عليه التقاليد السياسية هنا، صرّح رئيس الوزراء للزميلة الرأي بأنّ حكومته ستُجري الانتخابات البلدية المقبلة. بالضرورة، فإنّ هذا (السيناريو)، إذا تحقق، لم يكن خياراً وحيداً لدى "مطبخ القرار"، وربما ليس مريحاً، إنّما لأنّ الحسابات المباشرة تصعّب كثيراً رحيل الحكومة حالياً، ومن ثم حضور حكومة أخرى تجري الانتخابات البلدية، وتحل مجلس النواب، لترحل (بموجب الدستور) بعد أسبوع من ذلك، ويشكل شخص آخر الحكومة التي تجري الانتخابات النيابية، ليستقيل تاركاً المجال لحكومة أخرى، وفقاً للمعادلة الجديدة!
إذن، سنكون خلال ثمانية أشهر تقريباً – إلزاماً- أمام حكومتين جديدتين بمدتين قصيرتين (أشهر)، في مرحلة صعبة وانتقالية، وفي ظل "ندرة" شديدة في الأسماء المرشّحة لحمل هذه الملفات الاستراتيجية المهمة.
في حال بقاء الحكومة الحالية، فإنّها ستجري الانتخابات البلدية، وتحل البرلمان، وترحل لتأتي حكومة أخرى تجري الانتخابات النيابية، وهو ما يختصر إزعاجاً وإرهاقاً شديداً سيحدث لو رحلت الحكومة الحالية، قبيل الانتخابات البلدية.
ما يشفع لهذا السيناريو أنّ الحكومة الحالية هي من أشرف على قانون البلديات والإجراءات وعمليات استحداث بلديات جديدة، ما يجعل من الصعوبة على حكومة جديدة الإمساك بزمام هذا الملف خلال الفترة المحدودة المتبقية، إلاّ إذا افترضنا بقاء الفريق الوزاري نفسه الذي قام بهذا العمل، وهو خيار صعب أيضاً.
الأزمة المركبة التي يقع فيها "مطبخ القرار" تكمن في أنّ كلفة بقاء الحكومة كبيرة جداً أيضاً، فلا تكاد تخرج من أزمة حتى تقع في أخرى! وتسقط في وحل من الأزمات، وتبدو مكبّلة اليدين عاجزة عن المبادرة وتصحيح الأخطاء سريعاً، وهي "حالة خطرة" في لحظة تاريخية تتطلب حضوراً سياسياً قوياً للحكومة وانفتاحاً ومبادرة لمحاولة جذب المعارضة والقوى السياسية نحو المشاركة لا العكس.
اليوم، تتصاعد احتجاجات في البلديات والمحافظات على مشروع استحداث بلديات جديدة، ويزداد اللغط، ما قد ينعكس على سير العملية لاحقاً وما بعدها، وربما يؤدي إلى أضرار جسيمة ستهز الثقة بالانتخابات النيابية المقبلة، وذلك -بالضرورة- سيناريو خطير.
وفي ذروة هذا الجدال الداخلي وارتفاع وتيرة الاحتجاجات لدى المعارضة على التعديلات الدستورية، وإعلان الإخوان مقاطعة الانتخابات البلدية عملياً، تأتي قضية الاعتداء على مهرجان بلدة ساكب، وملابساته المقلقة، لتصب الزيت على النار!
لو برّأنا، جدلاً، الجهات الرسمية من الاعتداء على سيارة شبيلات وخيمة المهرجان في بلدة ساكب، سواء من المشاركة أو التحريض بالوكالة، فإنّ صمت المسؤولين إلى الآن على هذه الحادثة هو بحد ذاته مشكلة كبيرة. إذ لا توجد لدى الدولة أي ذريعة لعدم الإمساك بالمتسببين بالأحداث، وهنالك شكاوى رسمية قدّمت بحقهم من قبل مشاركين بالاعتصام، فنحن أمام مهرجان سلمي يتم الاعتداء عليه بالحجارة وقطع الكهرباء، وتباطؤ وتلكؤ من الأمن في التدخل لحماية المتواجدين في الخيمة، كما تظهر – بوضوح- تسجيلات مصورة منشورة على المواقع الإخبارية، وشهادات لأصدقاء من الموجودين هناك.
الحكومة لم تحرّك ساكناً، وكأنّ هذه الحادثة في جزر القمر. وتبدو المشكلة الأكثر خطورة أنّ ما يحدث حالياً من أزمات يهدد بنسف "مصداقية الدولة" ويضرب في الصميم أي معنى للحديث عن إصلاح يؤدي إلى دولة قانون ومواطنة وحريات عامة ومؤسسات، ويمنح المعارضة "بيئة خصبة" ومريحة للنجاح في اكتساب الشارع بل اجتياحه وسط محيط من الأخطاء والخطايا الرسمية!