الفايز يتمسك بثقافته السياسية في لعبة التجاذبات
تداعت المواقع الإلكترونية لأكثر من مرة لغايات تنظيم عملها، وبمبادرات انطلقت من أصحاب المواقع المؤثرة، وفشلت هذه المواقع في الوقوف على أرضية واحدة، وكانت هذه الحالة تشمل المواقع الرئيسية التي تأسست قبل العام 2008، وبما أن عدد المواقع الإلكترونية الإخبارية يتجاوز في الأردن حاليا المائتين، فإن مسألة تنظيمه تعقدت واتسعت، وعلى هذه الأساس يمكن البحث عن حل قانوني يستطيع أن يحل المعضلة الأردنية، فمن ناحية ليس مقبولا أن يتم تكميم الحريات والرجوع إلى الوراء وتخويف الصحفيين الشرفاء من ممارسة أعمالهم، وفي الوقت نفسه، من يحمي الشخصيات العامة وبعضها ليس سياسيا أو اقتصاديا من حملات الشائعات المتواصلة التي لا تستند سوى لأقاويل وثرثرات، هذه المعادلة تسترعي اهتمام مجموعة من الشخصيات الأردنية التي تعتبر نفسها، وتمتلك المسوغات الكافية لذلك، شخصيات توافقية، ومن هذه الشخصيات رئيسي مجلس النواب والأعيان فيصل الفايز وطاهر المصري، وما حدث في لقاء جلالة الملك الأخير على خلفية المادة 23 من قانون هيئة مكافحة الفساد يدلل أن الرجلين متفقين على ضرورة إيجاد الحل للمعادلة المذكورة بما يخدم طرفيها، ومختلفين في طريقة الوصول إلى هذا الحل. خاض الفايز أثناء رئاسته للحكومة العديد من المعارك السياسية، وتحمل تبعات واسعة، وحازت الصحافة الأردنية أثناء رئاسته للحكومة على وضعية خاصة، وصفها البعض بتدليل الصحفيين، والحقيقة أن الفايز كان ينظر إلى ضرورة مأسسة العمل الإعلامي ككل، وتحسين وضعية الصحفيين بما يضمن استقلاليتهم، ولأن الحكومات في الأردن أخذت تكتسب صفة التسيير أكثر من التنفيذ، والتوجيه أكثر من التخطيط، فإن أي مشروعات كانت قابلة للجرح والتعديل بناء على تفسير أي حكومة، وبقيت حالة الصحافة الأردنية تتراجع حتى وصلت إلى نقطة مدونة السلوك في العام الماضي والتي هددت بوضوح قدرة المؤسسات الإعلامية الصغيرة على البقاء وأداء دورها، وهددت بمزيد من القضم من مكتسبات الصحفيين الضعيفة أصلا. في وسط هذه المعادلة تأتي اساءة التفسير لدور الفايز ورؤيته بخصوص المادة 23، والتي يقف الجسم الصحفي في مواجهتها في معركة واسعة يمكن أن تفضي لمزيد من التفاعلات، فالفايز بحكم تاريخه السياسي يدرك أن بعضا من المنابر الإعلامية أخذت تتجاوز القيم الاجتماعية والثوابت الوطنية، وتوقظ الفتنة بين ظهور الأردنيين لتنقض عليهم في فترة حرجة من تاريخ المنطقة، وعلى ذلك كانت رؤيته لضرورة وجود قواعد تحكم الأداء الإعلامي وتضعه لخدمة الوطن والمجتمع، وليس لخدمة أصحاب الهوى والأغراض، فالصالونات السياسية المغلقة أصبحت اليوم تجد صداها وعلى الهواء مباشرة في مواقع إلكترونية تبحث عن المثير أكثر مما تهتم بالحقيقي. جرت الصالونات السياسية التهلكة على بعض الدول العربية، والفايز الذي لم يسجل على أي صالون سياسي طيلة مسيرته، وحاول دائما أن يحافظ على استقلاليته ويبتعد عن العمل الفئوي، يريد أن يضع الخطوط العريضة، ومن حق الأعيان بصفته مجلس الخبرة في الدولة الأردنية، أن يعيد أي مادة لمجلس النواب الذي يمثل الشعب الأردني بكل تفاعلاته وأطيافه، وأحيانا نزواته، ويمكن تذكر التعبير الذي أطلقه السياسي المتمرس عبد الإله الخطيب يوم وصف الشارع بأنه غير منضبط، وعلى ذلك يأتي دور مجلس الأعيان، وتتطلب اللعبة السياسية أن يمارس رئيس مجلس النواب الجانب الآخر بصورة فورية، وأن يدافع عن الطرف الآخر في المعادلة، وليس معنى ذلك أن يأتي على الطرف الأول، الإعلاميين في هذه الحالة، وإنما على السلطتين، مع نقابة الصحفيين ومع الجسم الإعلامي المستقل الممثل في المواقع الإلكترونية الوصول إلى نقطة التوازن. ماذا لم ألغيت المادة 23 دون وجود البديل، معنى ذلك انهيار الثقة في الدولة الأردنية والمجتمع ككل، الشركات الخاصة، الموظفين العموميين، وذلك يعني الدخول في حالة فوضى، لا ينفي ذلك أن المادة تبالغ في العقوبات، خاصة أن الصحفي عليه أن يبذل كل جهده في التحري عن الحقيقة، لا أن يقوم بتبهير أول خبر يسمعه من عابر طريق، وعليه يجب أولا تنظيم القطاع، وإذا كانت النقابة تحاول أن تعيد صياغة مفهوم العمل الصحفي، فإن المطلوب من جميع القوى التهدئة التكتيكية لحين الوصول إلى صيغة جديدة يتم على أساسها بناء ميثاف شرف بالتراضي بين جميع الأطراف، أما التنازل عن المواقف الاستراتيجية لكسب الشعبية فذلك لن يؤدي سوى إلى تعميق الأزمة، وسترتد مرة وأخرى بصورة أكثر عبثية وتكلفة على الجميع. تعامل الفايز بحسه الاستراتيجي، وهذه طبيعته الشخصية، فالرجل يمتلك رصيدا كبيرا في العمل السياسي، وربما هو الرصيد غير المسبوق فعليا، لا يمكنه أن يناور في مسألة الحقوق والواجبات تحديدا، وحتى لو أساءت بعض القوى – بحسن نية غالبا – تفهم موقفه، فإن ذلك لم يكن ليدفعه لأن يترك المعادلة مفتوحة ودون حل، ويدفعها للتأجيل على أرضية لا غالب ولا مغلوب، وبعض المصطلحات اللبنانية التي طغت على الحياة السياسية الأردنية، حتى أن بعض الزملاء استخدموا جزافا تعبير الثلث المعطل في توصيف بعض جلسات المجلس النيابي الأردني، الفايز ليس من هواة اللبننة أو المصرنة أو العرقنة، إنه من المنحازين للنموذج الأردني القائم على الانفتاح واتخاذ المواقف الشجاعة والمباشرة.