الشرق الأوسط والعام الجديد


استقبل بعض الناس في الشرق الأوسط العام الجديد بمظاهر الفرح؛ كالألعاب النارية والحفلات الموسيقية رغم سوء الأوضاع في الأقليم، وجاءت عملية اغتيال قيادات عليا تتبع إيران لتزيد من البراكين المشتعلة، حيث كانت رداً على استهداف السفارة الأمريكية في بغداد، فسرعة إعلان الولايات المتحدة مسؤوليتها عن العملية ونشر الفيديو لإخافة إيران ومن يتحالف معها، وطمأنة لحلفاء أمريكا في المنطقة. وإن صناع القرار في الإدارة الأمريكية يدركون تماماً أبعاد هذه الخطوة وخطورتها وآثارها.
ومن يظن أن العملية ارتجالية واهم؛ فالدول ذات السيادة والمؤسسات تبني خططها على دراسات مكثفة وعميقة ومن كافة الجوانب، وأظن أن الإدارة الأمريكية ترنو في هذه المرحلة للحد من الطموح والتوسع الإيراني، وأن لا يتكامل الهلال الشيعي. ولئن غضت أمريكا الطرف مرحلياً عن النفوذ الإيراني في العراق نكاية بصدام وحزبه، وسمحت جزئياً بالوجود الإيراني في سوريا ولبنان إلا أن النفوذ الإيراني الدائم يتعارض مع مصالحها، ولذا ستسعى لتقليم ذلك النفوذ سلماً أو حرباً.
وقد سارعت الإدارة الأمريكية للتأكيد والتذكير على أن إيران لم تدخل حرباً إلا وخسرتها ، ولم تعقد مفاوضات إلا وربحتها، ويعتبر هذا التصريح نصيحة لإيران بإجراء المفاوضات، والابتعاد عن الخيار الانتقامي العسكري، فبالمفاوضات ستنتصر، وقد تحقق أغراضها بالتوافق مع الراعي الأمريكي. كما وأعلنت الإدارة الأمريكية تهديداً مباشراً لإيران بوجود قائمة أهداف أخرى، وإحدى الخيارات إسقاط النظام في مواجهة شاملة، ولا يخفى البون الشاسع بين قدرات وكفاءة الطرفين العسكرية وغيرها.
أما إيران فهنالك خطاب شعبي وتعبوي يدعو للثأر والقصاص؛ فقد رفعت رايات الثأر في قُم، وطافت الجنازات في المدن العراقية، لامتصاص النقمة الشعبية، ويخيل للمرء العادي أن الانتقام سيكون سريعاً، ولكن على المستوى الرسمي والواقعي تدرك القيادة الإيرانية حجم قوتها وقدرتها في مواجهة التحالف الغربي الذي سارع وحشد قواته، ولذا سيكون ردها غير مباشر، ودون تحمل مسؤولية تبعات الانتقام من الأمريكان، وقد أشار لذلك حسن نصر الله بأن إيران لن تصدر تعليمات أو أوامر لقوى المقاومة أو لحلفاء إيران بكيفية الرد، بل على كل فصيل أو فئة اختيار الرد الممكن والمتناسب مع ظروفه وطاقاته، وفي هذا عدم تحميل إيران المسؤولية المباشرة، وترك فسحة لباقي حلفاء إيران. أما هدف القصاص _كما أسماه_ هو إخراج الوجود الأمريكي من المنطقة، ولم يستبعد العمليات الاستشهادية، فلئن كان الاستشهادون قليلاً فيما مضي إلا أنهم الآن بأعداد كبيرة جداً.
ومن خلال دراسة وضع حلفاء إيران ؛ فيبدو أن الساحة العراقية مرشحة للأحداث الجسام ومجابهة النفوذ الأمريكي، حيث يزخر العراق بالسلاح والمليشيات والنفوذ والحاضنة الإيرانية، وقد نشهد عنفاً كبيراً وعمليات غير مسبوقة، وصراع دموي كبير. وكذلك الساحة اليمنية هي الأخرى مرشحة لاستهداف الوجود الأمريكي في البحر أو الدول المجاورة. وأما الساحة اللبنانية والسورية فلا أظن أن يحدث بها شيء؛ لدقة التوازنات، وخطورة الموقف، ولكن قد تستدرج إسرائيل حزب الله لحرب شاملة تطمح من خلالها القضاء التام عليه. ولا أظن أن المقاومة في غزة ستعمل لإثارة حرب مع الصهاينة، فواقع الحال في غزة مرير.
ولئن كانت المواجهة المباشرة الشاملة مستبعدة بين أمريكا وحلفاءها من جهة وإيران وحلفاءها إلا أن الشحن والتعبئة لكلا الطرفين قد تؤدي لحرب شاملة لا ترغب بها كافة الأطراف، وأحياناً قد يكون للانتخابات في أمريكا أو إسرائيل أثر كبير في إثارة الحروب الشاملة.