كي يتعلم الأطفال جيدا في المدرسة
اخبار البلد-
"من المعروف أن الدماغ يستهلك ما يصل إلى 20 – 25 % من إجمالي الطاقة الكلية للجسم في شكل جلوكوز، تترجم إلى 350-500 سعر حراري في اليوم للمرأة والرجل العادي نتيجة التفكير العميق مع ان وزن الدماغ لا يمثل سوى 2 % من وزن الجسم بشكل عام” (الغد في 14/11/2019).
وإذا كان الأمر كذلك، فإن الأطفال في المدرسة والطلبة في الجامعة يفقدون كثيرا من السعرات في نهاية درس الرياضيات أو العلوم، أو الفلسفة أو المنطق، أي نتيجة للتفكير العميق، وأنه تبعا لذلك يجب ان يتوافر لهم تغذية صحية جاهزة تعوضهم عن ذلك، ليواصلوا يومهم الدراسي بارتياح، والا فقدوا القدرة على التعلّم. لكن ليس أي تعلّم لأن المقصود هنا التعلّم الذي يتطلب التفكير العميق لفهم المسألة أو حلها. وبعبارة أخرى فإن التفكير العلمي، والتفكير الناقد، والتفكير الإبداعي.. يستهلك كمية كبيرة من الطاقة العقلية، وبالتالي السعرات التي يجب تعويضها.
إن كلا منا يشعر بالجوع في اعقاب الدراسة إذا كانت جدية. أو في اثناء الاستعداد للامتحان ، أو في اعقاب قراءة لمادة صعبة أو عميقة، أو تلخيص لها، أو نتيجة كتابة فكرية، أو لامتداد في لعبة الشطرنج أو البريدج…
ولعله يجب أن يفهم من هذا الكلام أن التعليم بالتلقين لا يتحدى العقل، وبالتالي لا يستهلك الا قليلا جدا من طاقته، مما يجعله مريحاً لمؤديه ومتلقيه، وكما نراه متجليا في رجال الدين والمستمعين.
مع انني لم أطلع على كتابي الرياضيات والعلوم الجديدة التي يصفها أصحابها باعتماد التفكير الناقد والتفكير الإبداعي فيهما، الا أنني اعتقد أنه إذا صح ذلك فإن السبب الرئيس لضجة بعض الناس ضدها لأنها تتحداهم وتكلفهم مزيدا من الطاقة أو السعرات الحرارية، بعدما ألفوا التعليم التلقيني قليل الكلفة.
وإذا كان لما ذكرنا من معنى ومغزى فانه يتوجب على وزارة التربية والتعليم والمدارس الخاصة وضع استراتيجية للمقاصف المدرسية لأخذ ذلك بعين الاعتبار، أي تلبية حاجات الأطفال (والطلبة) من الغذاء المناسب لتعلّم جيد.
لماذا يحتاج كل عاقل إلى التفكير الناقد؟ وأجيب على السؤال بمثال يومي واحد: يختلف ما تنقله قنوات الأخبار ومنصات التواصل الاجتماعي من معلومات وتعليقات على الأحداث مثل المظاهرات في هونج كونج، أو في العراق، أو في لبنان والجزائر… باختلاف مالك القناة أو المنصة، وبالتالي في سياسة الدولة التي تنتمي إليها أو تبث منها.
وعليه يتعرض المشاهد أو المستمع أو القارئ إلى تضارب في الأنباء والتعليقات عليها. وإذا لم يكن لديه قدر كاف من التفكير الناقد ليفصل القمح عن الزوان فإنه يضيع أو يُخدع، ويؤيد أو يعارض دون سند موضوعي.
والحقيقة أن موقف المتلقي يعتمد على توجهه الأيدولوجي، فأين الحقيقة؟ إننا أمام عدد لا يحصى من الحقائق حول الحادث الواحد في الوقت الواحد.
هنا نعود إلى التفكير الناقد الذي لابد منه ليقاوم المرء تحيزه الذاتي لتوجهاته، وضرورة قمعه لها، ولفصل الغث من السمين لما يقرأ ويسمع ويشاهد – وإن مؤقتا – لمعرفة الحقيقة. ولما كان الأمر كذلك فإن تعلّم التفكير الناقد وتعليمه واجب وربما فرض عين، لتمكين المرء من السباحة عكس التيار ومن الرؤيا وسط الزوبعة والغبار. وإلا فإنه بغيابه يسبح معه جنبا إلى جنب ما يحمله من نفايات.
العقل يتصحر بالتلقين، ويزدهر بالتفاعل، وعندما يفتحه صاحبه يتدفق.
تقول رئيسة وزراء فنلندا الجديدة الأصغر سناً في العالم (34 سنة): "لم أفكر مطلقاً أبداً في سني أو في جنسي [كأنثى أو ذكر] وإنما في الأسباب التي أدخلتني في السياسة، والأمور الأخرى التي أكسبتني نيل ثقة المواطنين”.
حكمة صينية: "النهر العظيم يجري بصمت والحكيم لا يرفع صوته”.