رؤيا الملك .. تنزع فتيل الأزمة

من الواضح أن جلالة الملك نزع فتيل الأزمة التي نتجت عن إقرار مجلس النواب للمادة 23 من قانون مكافحة الفساد، في مختلف الاتجاهات، وأعاد الهدوء إلى الأطراف المعنية لكي تفكر بروية في الحل الأمثل للخروج من الأزمة. وعادت الكرة الآن إلى ملعب المشرعين، لكي يتجنبوا الوقوع في مأزق حاد، ويجنبوا البلد تداعيات غير محمودة العواقب.
لقد قام مجلس الأعيان بترحيل الأزمة إلى وقت لاحق عندما تم إلغاء جلسته الاخيرة، وبقيت الاجواء متوترة قلقة، في ظل موقف نقابة الصحفيين، وتأييد النقابات المهنية الاخرى لها. وانتظر الجميع معجزة تخرج بنا من هذا الوضع المتأزم الذي هدد بانفجار شعبي واسع في وجه الحكومة، إلى أن جاء لقاء جلالة الملك مع قيادات مجلسي الأعيان والنواب، وحديثه الواضح أمامهم واستشرافه المستقبل برؤية سليمة يجب أن تكون الأساس أمام المشرع والحكومة معا، عند إعادة دراسة المادة المثيرة للجدل وقبل إعادة صياغتها من جديد.
قال جلالة الملك لقيادات الأعيان والنواب بوضوح تام، إن الحريات العامة مصانة، مثلما أن حماية الأفراد من التجني والتشهير مصانة كذلك. معادلة متوازنة، ورؤيا واضحة لا تحتاج إلى اجتهاد أو تأويل وهي تضع النواب والأعيان معا في موقف قوي وثابت حين اتخاذ القرار، بدون الدخول في حسابات خاصة مع أي طرف من الأطراف؛ فالرؤيا الواضحة تعطي الموقف الواضح  بدون أي قلق من التفسير والتأويل.
ولن يجد المشرع عناء كبيرا في إعادة صياغة القانون، فقد دعا جلالة الملك إلى تشريع متوازن يصون الحريات الصحفية، والحريات الشخصية، داعيا إلى إيجاد صيغة أخرى للمادة 23 المثيرة للجدل، ونقلها من قانون هيئة مكافحة الفساد إلى قانون العقوبات وبصيغة مختلفة.
لقد اختصر جلالة الملك الطريق أمام المشرع والحكومة معا، عندما دعا إلى إيجاد طريقة لتطوير القوانين والمواد التي تحمي الصحافة والحريات العامة وفي الوقت نفسه تحمي المواطن من الاتهام واغتيال الشخصية بغير حق.
إن حماية الحريات الإعلامية إحدى أهم دعائم الديمقراطية التي لن تستقيم بدونها، ولكننا في الإعلام أيضا شركاء في المسؤولية وفق الرؤيا الملكية مع الحكومة والنواب والأعيان في حماية الوطن والحرص على سلامته واستقراره.
نحن لسنا مع سَوق الاتهامات جزافا، ولسنا مع اغتيال الشخصية بدون وجه حق أو الاساءة لسمعة أي شخص مهما كان موقعه، هذا واجبنا الوطني وسلوكنا المهني، ولكن على الحكومة أيضا قبل ان تخرج علينا بقوانين تمس الإعلام، أن تتشاور مع الجهات المعنية وتستأنس برأيها وتتوافق معها على صيغة مقبولة لدى الجميع، وتنأى بنفسها وبنا وبالرأي العام عن أي ردود فعل نحن بغنى عن عواقبها، خصوصا في مثل هذه الظروف غير المريحة.