أمنيات وليست توقعات لسوق النفط

اخبار البلد-

 
في العادة، يكون أول مقال في العام الجديد عن التوقعات لسوق النفط خلال قادم الأيام، إلا أن المقال هذه المرة سيكون عن الأمنيات وليست التوقعات.
إن أولى أمنياتي هذا العام هي ألا تؤدي الضربة الأميركية الأخيرة، التي أدت إلى مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، إلى مزيد من التوتر في المنطقة، وهو ما سينعكس سلباً على أسعار النفط.
لقد شهد الاقتصاد العالمي في 2019 أسوأ نمو سنوي له في آخر عشر سنوات، بسبب الحرب التجارية الأميركية مع الصين، التي امتدت إلى فرنسا، وليس من البعيد أن تمتد إلى بقية الاتحاد الأوروبي.
إن أسعار النفط التي وصلت حالياً إلى حدود السبعين دولاراً بسبب الاتفاق المبدئي بين الولايات المتحدة والصين، تعتبر معقولة للمنتجين والمستهلكين سواء، إلا أن صعودها فوق هذ المستوى سيكون في غير صالح المستهلكين ونمو الاقتصاد العالمي في 2020، إذ لا يزال الوضع هشاً.
وإذا تطور الأمر إلى صراع عسكري (وإن كان هذا من المستبعد حالياً) فإن هذا قد يؤثر على الإمدادات من المنطقة، ويزيد الأسعار بطبيعة الحال؛ خصوصاً إذا ما بدأت الدول الصناعية في استهلاك مخزوناتها العالية؛ حيث إن المخزونات في مجموعة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) لا تزال فوق متوسط الخمس سنوات. وهبوط المخزونات هو عامل كبير في رفع الأسعار.
بالأخير، كلنا لا يتمنى الصراعات العسكرية أو التوتر في المنطقة، ونتمنى أن يعم السلام، وهذا ما ينقلني إلى الأمنية التالية، وهي أن أرى مزيداً من الالتزام تجاه الاتفاق المبرم لخفض الإنتاج من قبل تحالف منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) مع المنتجين المستقلين خارجها، والمعروف باسم تحالف «أوبك+».
لقد دخل التحالف في اتفاق لخفض الإنتاج منذ أول أيام عام 2017. وكان من المفترض أن يدوم الاتفاق لمدة ستة أشهر فقط، ولكن ما حدث هو أن الاتفاق استمر لثلاث سنوات بعد تمديده لأكثر من مرة.
وتوصل التحالف إلى صفقة جديدة الشهر الماضي، لخفض الإنتاج بنحو 1.7 مليون برميل يومياً في 2020، يضاف عليها تخفيض طوعي من السعودية، بمقدار 400 ألف برميل، إلا أن التزام الدول العام الماضي بالكمية السابقة وهي 1.2 مليون برميل يومياً، لم يكن مرضياً.
هناك دول كثيرة لم تلتزم بشكل كافٍ طيلة فترة الاتفاق، مثل روسيا والعراق. وأظهرت آخر البيانات الروسية أن روسيا أنتجت العام الماضي عند مستوى قياسي جديد بلغ 11.25 مليون برميل يومياً، وهو الأعلى منذ الحقبة السوفياتية، عندما بلغ إنتاجها 11.4 مليون برميل يومياً في عام 1987. لم تتمكن روسيا من الوفاء بكامل التزامها العام الماضي وزادت إنتاجها الشهري فوق المعدل المتفق عليه مع تحالف «أوبك+» خلال 9 أشهر من السنة، كما أظهرت بيانات «بلومبرغ».
والآن لا تريد روسيا الاستمرار في خفض الإنتاج للأبد، كما يقول وزير طاقتها ألكسندر نوفاك، ومن المحتمل أن يطرح على دول «أوبك» شهر مارس (آذار) القادم احتمالية خروج روسيا من الاتفاق، للدفاع عن حصتها في السوق العالمية. وعندما يقول الروس «السوق العالمية»؛ فهم في حقيقة الأمر يقصدون الحفاظ على حصتهم أمام النفط الأميركي، الذي أصبح ضمن النفوط التي تصل إلى موانئ دول آسيا، بعد عقود طويلة من الاستهلاك المحلي له. كل هذا كان بفضل النفط الصخري الذي نتوقع له أن يتباطأ نموه في 2020؛ رغم أننا في كل عام نتوقع هذا التباطؤ ولا نراه.
عموماً، إن العالم بحاجة إلى تحالف مثل «أوبك+» للحفاظ على استقرار الأسواق، وأتمنى أن يستمر التحالف حتى بعد انهيار المحادثات، لخلق منظمة جديدة لأعضاء هذا التحالف، والتي انهارت بسبب مخاوف فرض عقوبات أميركية على دول «أوبك» واتهامها بالممارسات الاحتكارية.
وأتمنى كذلك ألا تكرر دول «أوبك» ما فعلته في آخر أشهر عام 2016، عندما زاد الجميع التصدير قبل دخول اتفاق خفض الإنتاج حيز التنفيذ، ما أدى إلى زيادة المخزونات في الربع الأول من 2017، وضغط على أسعار النفط هبوطاً. أقول هذه الأمنية بعد ظهور بعض البيانات الملاحية، التي أوضحت أن أعضاء «أوبك» من منطقة الشرق الأوسط، زادوا صادراتهم في ديسمبر (كانون الأول) بنحو 550 ألف برميل يومياً، مقارنة بنوفمبر (تشرين الثاني).
وأتمنى أن تتحسن هوامش التكرير هذا العام، بسبب تطبيق قوانين منظمة الملاحة البحرية الدولية (IMO) على الوقود المستخدم في السفن، وهو ما يدعم أسعار النفط.
وأخيراً أتمنى أن يعود إنتاج النفط في المنطقة المقسومة بين السعودية والكويت، وتنطوي صفحة الخلاف التي أدت لتوقفه نحو أربع سنوات. ورغم الاتفاق الذي تم الشهر الماضي بين الدولتين حول عودة الإنتاج، فإن هناك أصواتاً كثيرة غاضبة في الكويت من الاتفاق، ولن نخوض في التفاصيل. إن ما يجب أن يفهمه الأشقاء في الدولتين أن التعاون مهم لتطوير إنتاج المنطقة المقسومة؛ حيث لا يزال هناك حقل الدرة البحري الذي يحتاج إلى تطوير، وهناك مشروع مهم لحقن حقل الوفرة المشترك بينهما بالبخار. والتطلع للمستقبل أهم من الوقوف على الماضي، وهذا ما أتمنى للكل الإيمان به.