الرزاز ينثر بذور الربيع العربي
حدّد الدكتور عمر الرزاز خلال محاضرة قيّمة ألقاها بمكتبة الجامعة الأردنية تحت عنوان (من دولة الريع إلى دولة الانتاج والعدالة..) سبعة عناصر أساسية للانتقال من دولة الريع إلى دولة الانتاج والعدالة. وكل منْ ينظر في جوهر العناصر التي ذكرها، يخرج بنتيجة مفادها أن الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه لا يضم إلا دولاً ريعية فقط ، ودولة الريع باختصار هي الدولة التي تعتمد أساساً في إدارة مرافقها وتدبير شؤونها الاقتصادية على بيع موارد أو تلقي مساعدات بينما ماكنات التشغيل والإنتاج فيها إما معطّلة بالكامل أو شبه معطّلة.. عناصر الانتقال التي حدّدها الرزاز مهمة، ويتداخل فيها السياسي مع الاقتصادي مع الاجتماعي مع المالي مع القيمي مع التشريعي، فهو يدعو إلى تحوّل ديمقراطي حقيقي يتضمن فصلاً واضحاً للسلطات، وإلى إعادة الاعتبار لمفهوم الثروة الوطنية لتكون ملكاً لجميع المواطنين من أجيال حاضرة ومستقبلية، والانتقال من حاكمية الموازنة إلى حاكمية المال العام، ومن الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الانتاجي التشغيلي، كما يدعو إلى الانتقال بالإنسان العربي من عنصر بشري مذعن إلى عنصر بشري مبدع، ومن انتهاج سياسة المحاصصة في الريع إلى إعادة توزيع الدخل بعدالة وتعزيز الحماية الاجتماعية وتوسيع مظلة الضمان الاجتماعي، وأخيراً التحول من حالة التشرذم السيادي العربي إلى تكتل سيادي عربي.. والهدف من هذا الانتقال هو الوصول إلى اتفاق حول عقد اجتماعي عادل، يوائم بين المتغيرات والعناصر المذكورة ويحقق قبول ورضى الرعية بنظام الحكم في دولة عربية ما مقابل حصة عادلة من الريع، مفترضين أن العقد الاجتماعي العربي الراهن عقد فاسد كونه عقد إذعان لم يُستشر فيه المواطن العربي فضلاً عن المشاركة بوضعه..!! والربط بين الربيع العربي وعناصر الانتقال المذكورة، مهم لأنها الموجّه الحقيقي الذي يضمن تصحيح مسار ثورات الربيع، لكي تؤتي ثمارها المنشودة في التغيير، ولكي يكون هذا التغيير في الجوهر وليس في المظهر فقط، وأن يكون مؤسسياً وفاعلاً، وقادراً على تحقيق نتائج تنعكس على حياة المواطن العربي ويجني ثمارها. نسلّم أن عناصر الانتقال من الدولة الريعية إلى دولة الانتاج والعدالة هي البذور الحقيقية لثورات عربية أصيلة، لذا فإن أياً من الأنظمة العربية ستقاوم التغيير على أساسها، فالمنتفعون على أبواب السلاطين كُثْر، واقتسام الثروات وإعادة توزيع الدخل بعدالة مرفوض، ولا مجال لوقف مجزرة بيع الأصول وتعرية الثروة الوطنية ونضوب الموارد، أما الانتقال بالإنسان العربي من حالة الإذعان إلى حالة الإبداع والتفكير، ومن ساحة التقييد والاستعباد إلى ساحة الحرية فأمر ستكون له تبعاته وضحاياه.. المحاضرة كانت قيّمة والمحاضر كان موضوعياً وشفّافاً، فلم يحصر دول الريع بالدول العربية فقط، وإنما ذكر دولاً غير عربية تندرج ضمن هذا الوصف، وما يمكن الخروج به هو أنها منظومة متكاملة من الإصلاحات يحتاجها عالمنا العربي بإلحاح، وتحتاجها الثورات العربية لكي تكون قادرة على إحداث التغيير الجوهري الذي ينادي به الشارع العربي، ويمكن أن يتلمس آثاره، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وعلى أنظمة وحكومات الدول التي لم تشهد شوارعها وميادينها نداءات بإسقاطها وإنما بإصلاحها فقط أن تتمعّمن في عناصر الانتقال والتحوّل من دول ريعية إلى دول إنتاج وعدالة اجتماعية فلعلها تُخفف من حدة التوتر المجتمعي، وتنجح في امتصاص نقمة الشعوب وغضبها. Subaihi_99@yahoo.com