ما سر «الهوس» العربي بـ«حكومات التكنوقراط»؟
اخبار البلد-
ترتفع الأصوات في ساحات ومیادین ثلاث دول عربیة (على الأقل) الداعیة لتشكیل حكومات «تكنوقراط» بدیلاً
ُ من حكومات سیاسیة، یرى م ِ طلقوھا انھا «فاش ِ لة» لم تستط ّ ع حل المشكلات الاقتصادیة والاجتماعیة وخصوصاً
ُ المعیشیة التي تعصف بھم، بسبب فساد تلك الحكومات والتي جاء معظمھا عبر «محاصصات» ذات أبعاد طائِفیة
. َوم ِ ذھبیة وعرقیّة
ِ یحدث ھذا في لبنان كذلك في العراق وتونس، رغم ان الاخیرة لم تكن ذات یوم نتاج «تصمیم» إستعمار ّي لھیاكلھا
ُسس طائفیة ومذھبیة؟, كما لبنان منذ العام 1943 والعراق بعد العام 2003
السیاسیة والاداریة وفق أ
ِ
.
ِ ھنا یحضر السؤال عن «س ّر» تزامن (غیر البريء في ما نحسب) تلك الدعوات التي تستبطن ضمن امور اخرى،
ُ غیر م ّبرر وغیر مبني على حقائق وأرقام ومعطیات میدانیة, تدعم الزعم بان التكنوقراط/
نفیاً للسیاسة وانجذاباً
ِدركھم الفساد ولا یتورطون فیھ, أو ان لدیھم
الاختصاصیین/الكفاءات كما یُصنّفون في الساحات العربیة الثلاث، لا یُ
ِ وحدھم الخبرة والقدرة على اجتراح الحلول لمشكلات بنیویة عمیقة, تكاد تكون تجذّرت في تلك البلدان (وغیرھا)
وباتت ثقافة سائِ ّ دة, حو ُ لت علاقات الحكومات المتعاقِ ّ بة مع شعوبھا الى علاقات «زبائنیة» مشوھة ومشبوھة?
وأطاحت مفھوم الدولة والعقد الاجتماعي وطبیعة «الوظیفة» التي یتولاّھا السیاسیون بتفویض شعبي عبر انتخابات
ُ منصفاً َ للمواطنین, وینھض على ثقافة المواطنة والمساواة.
ُح ْ رة ونزیھة, ینظمھا قانون انتخاب عصري یلحظ تمثیلاً
.التي یضمنھما قضاء عادل ومستقل وغیر تابع للسلطة التنفیذیة
وإذا كان من البدیھي الإقرار بأن المنصب الوزاري ھو منصب «سیاسي» بالدرجة الاولى، فإن «حكایة»
ّ التكنوقراط تبدو طارئة وخارجة على النص الدستوري الذي ینظم علاقة الحكومات/الدول بالشعوب, وبالتالي فإن
ِ ببرنامج «شامل» بأبعاد سیاسیة واقتصادیة واجتماعیة وثقافیة
ُ ى موقعھ ضمن قائمة حزبیة, متسلحاً
«السیاسي» تولّ
ِوك ّ ل الیھ تنفیذھا، سیكون للجمھور «حق» الحكم علیھ نجاحاً او فشلاً عبر صنادیق الاقتراع..لاحقاً، او من خلال
ُ
أ
سحب الثقة بھ/بحكومتھ داخل البرلمان، الذي تدور في اروقتھ لعبة التحالفات والإصطفافات وخصوصاً الصراعات
. ُ ومعار? م َغازلة الناخبین
ُ لا تبدو دعوات استیلاد حكومات تكنوقراط (غیر سیاسیة).. بریئة، في ظل الھجمة الم ّ نسقة التي تقودھا وسائل
ِ ة وداعمة لمنظمات مجتمع مدني، لم یتوقف انتشارھا
ّ اعلام ومنص ُ ات تواصل اجتماعي وأجھزة استخبارات م ِمولَ
ُ المریب في فضاءات المنطقة العربیة (ومعظم دول العالم الثالث وخصوصاً اوروبا الشرقیة) والداعیة في حماسة
لافِ ُ تة الى إفراغ السیاسة من محتواھا ووضع م ّ قدرات البلاد وثرواتھا في ایدي ھواة/وكلاء ومروجي نظریات
الخصخصة واقتصاد السوق الحر وكف ید الدولة عن القیام بواجباتھا تجاه الطبقة الفقیرة ومحدودي الدخل
ّ ي?عن مھمتھا الأولى في تأمین خدمات اساسیة كالتعلیم والطبابة للمواطنین، ناھیك عما یحفل بھ
وخصوصاً التخلّ
ُ عاة تشكیل حكومات التكنوقراط من إعجاب واحتفاء بالنموذج النیولیبرالي الم ِّ توحش الذي ساد في العقدین
خطاب دُ
الأخیرین، ولم یَ ِ جلب سوى المزید من الدیون االتي تثقل كاھل الدول والشعوب، وتجلب الخراب والفقر لمزید من
. َ الشرائح الاجتماعیة, فیما یزداد الأغنیاء غنى على نحو مخیف وباعث على الغض ّ ب والثورة.