الإرادة ستبقى ملكية وليست شعبية .. !
ها قد هلت على الشعب الأردني بركات التعديلات الدستورية ، وهنأ من هنأ وصفق لها من صفق وأبدع النواب والأعيان في إخراجها حسب الرؤى والتطلعات التي شاءوا أن تخرج بها بأكمل وأبهى صورة كما يقولون طبعاً ، و وحلت البركة على الشعب الأردني من تحت قبة مجلس الأمة وعلى لسان صاحب الدولة والفخامة فيصل الفايز رئيس مجلس النواب ، الذي قال أبارك للشعب الأردني ولجلالة الملك هذا الإستحقاق الدستوري ... الخ .
بعيدا يا سادتي الأكارم عن الخوض في ماهية التعديل ونقاطه التي تم إنجازها بصورة خيالية ، وبعيدا عن المبالغة ، اعتقد بأن هناك شيء يوحي بالإيجابية في هذه التعديلات وليست سيئة كما قد يصفها البعض ، فهي تعتبر إنجازاً ضخماً تحقق في هذا البلد بعد أن كان مجرد التفكير في محاولة تعديل مادة في الدستور خطاً أحمر لا يقبل المساس به ، ولكن وبفضل ما سمي بالربيع العربي كانت البداية والإنطلاقة برأيي للقبول بتعديل الدستور رغم أنها لم تكن في حساباتهم أبداً ، والمضحك المبكي في الأمر بأن سادة من تأمروا على الدستور و أسسوا لبنيان دولتنا بمديوينة تصل لأكثر من 17 مليار ، وشعب تسوده حالة البطالة والفقر والعوز والجياع عند أكوام القمامة وحالة التسلط الأمني و الرقابة على الشعب بصورة وردية ، كل ذلك كان مخاض سنين حكمهم ها قد جاءوا إلينا الأن وللأسف بعد تلك المنجزات الضخمة والمخرجات العظيمة ليتحفوننا بتعديل لدستور على أيديهم ومباركة الخطوة وتأييدها !! عجبي والله كيف لك أن تقتل أبي وتتخذني إبناً لك ؟.
هنالك نقطة هامة جدا لو تم الأخذ بها بصورة واضحة في تلك التعديلات لكان الأمر مختلفاً من ناحية القبول الشعبي لها بصورة أكبر ، وهي تلك المتعلقة بسلطة الشعب وأعني هنا سلطة الشعب الحقيقية ، وليست تلك التي تفوه بها ألسنة الحكومة والمطبلين لها ، فالحقيقة غير ذلك تماما ومن يتابع تصريحات المسؤولين في الأمر عينه يجد بأنهم يحاولون قدر الإمكان إفهام الشارع بقناعتهم في نظرية سلطة الشعب والتأويل عليها في ضوء التعديلات الحاصلة ، ولكنهم لا يفلحون أبدا لانهم وبكل صراحة هم يدعون بما لا يقنعون .
وبالنظر لمسألة سلطة الشعب وإستعادته للحكم بشكل حقيقي ينبغي أن يعي بعض المتمترسين في الأقبية الذهبية بان الشعب هو من يحكم وبأن نظرية الحكم من الاعلى فقط قد ولى زمنها الى غير رجعة ، وبأن الحكم سيبنى منذ الأن على العلاقة المباشرة بين الشعب وبين من هم يتولون إدارة شؤون البلاد والعباد تحت مشورتهم و سماع رأيهم دون التصرف بشكل نخبوي فقط ، وينبغي في هذا الصدد أن يفهم أولئك الإعزاء بان سلطة الشعب تعني بأنه مصدر السلطات ومالك الإرادة الشعبية فقط وليست كما نحن نسمع فقط بأن الإرادة ملكية ، في كل صغيرة وكبيرة يقولون إرادة ملكية لقبول أبناءهم في الجامعة يقولون إرادة ملكية لتعيين إبنهم في الدرك يقولون إرادة ورغبة ملكية ...! هل يعقل ذلك وهل يعقل بأن تكون الإرادة الملكية مغايرة لما نريد وهل يعقل أن انتظر الإرادة الملكية مثلاً لقبول ابني القادم من اليمن في الجامعة وحين تصدر الإرادة يرفض قبوله بإرادة ملكية ؟! بالطبع لا ! هم يريدون فقط بأن يظهروا جانباً مبالغاً به من حكم العرش ولا أعتقد بان الملك يقبل به أبداً ، ولكنهم إعتادوا على ذلك وإمبراطورية الديوان الملكي هي من أفرزت هذه النماذج السطحية والساذجة والتي لم تعد تنطلي على أحد بصورتها الباهتة .
حبذا لو يعلم الذين يظهرون كل صغيرة وكبيرة بأنها رغبة ورؤى ملكية بأن يتقوا الله قليلاً في هذا العرش لأنهم هم من زرعوا بوادر التفرقة وأسسوا لها بطريقتهم هذه التي كانت فقط تحقيقاً لمصالحهم ومآربهم و لدعم نفوذهم ، والضحية هم الشعب الأردني بأسره ، وأنا هنا لي رجاء لجلالة الملك أن يخطو خطوة جريئة ويقتص من حوله كل أولئك الذين تاجروا بالشعب الأردني على مدى السنوات الماضية ، وأن يزيح بهم عن طريقه وعن طريق الشعب الأردني بأسره لأننا مللنا الحرس القديم وحانت ساعة الإرادة الشعبية .