“طب آل البيت”: إلى أين تأخذون التعليم؟
اخبار البلد-
على مدار السنوات الماضية، حذر مختصون كثيرون من الأعداد الكبيرة لخريجي الطب في الأردن، ما نجم عنه بطالة بين الأطباء وعدم توفر فرص تدريب للخريجين منهم.
خبراء قالوا قبل أشهر إن هناك نحو 1500 طبيب لا يستطيعون الحصول على فرصة للتدريب، محذرين من أن الرقم سيتضاعف خلال السنوات القليلة المقبلة. هذا إن لم تستحدث كليات جديدة للطب في الجامعات التي تخلو منها، لكن إن فكرت الجامعات باستحداث كليات جديدة للطب فإن الأمر لن يبقى مجرد أزمة، بل سيغدو بمثابة كارثة تحل بالتخصص.
قبل أيام قليلة تفاجأنا بأن مجلس أمناء جامعة آل البيت ناقش إنشاء كلية طب في الجامعة، معللا ذلك بأن الجامعة وضمن خطوات التطوير التي تتبعها فكرت باستحداث هذه التخصصات الجديدة بما ينهض بالجانب الأكاديمي والمالي للجامعة، وبالتوازي مع تحقيق المنافسة في سوق العمل.
عن أي سوق عمل يتحدثون؟
حتى أشهر قليلة لم تستطع سوق العمل الأردنية استيعاب خريجي تخصصات الطب ما بعد 2010، وظل كثير من هؤلاء الخريجين عاطلين عن العمل، إذ لا يمكن لنا غض الطرف عن محدودية سوق العمل المحلية وأعداد المستشفيات التي لا يمكنها استيعاب كل هؤلاء الخريجين.
في المقابل دعا خبراء إلى "تقنين” قبولات الطب في الجامعات من أجل خفض نسب البطالة في هذا التخصص. لكن لماذا لا يتم ذلك؟
ببساطة لأن الأمر أصبح بمثابة تجارة، فطالب الطب يدفع رسوما من أعلى رسوم الساعات في الجامعات. هذا على البرنامج العادي، لكن حين نأتي إلى البرنامج الموازي فإن كلفة دراسة الطب للطالب الواحد تقفز لتصل إلى نحو 60 ألف دينار، وهو مبلغ يعتد به لدى خزينة الجامعات الخاوية.
لكن ما الذي يمثله هذا الأمر لسوق العمل الأردنية، وأيضا الى الاستثمار في المستقبل؟ يبدو أنه لا أحد معني بذلك.
منذ أكثر من عقد من الزمن أخذ خبراء عالميون كثر على عاتقهم التأشير إلى نوعية التخصصات المطلوبة في المستقبل. معظمهم أشار إلى أن مهنة الطبيب ستكون من ضمن الأقل طلبا، بينما أعلى هؤلاء من شأن مهنة مهندس الجينات مثلا.
خبراء قالوا إن كثيرا من تخصصات الهندسة في طريقها للاندثار لمصلحة الذكاء الاصطناعي الذي بات يستطيع تطوير نفسه دون تدخل بشري. خبراء آخرون أعلوا من شأن المهنة في مواجهة التخصص الأكاديمي. فمهنة الحلاقة على سبيل المثال وفقا لهؤلاء سيكون لها ديمومة أكثر من تخصص الهندسة المدنية. فماذا أعدت جامعاتنا لهذه التغيرات المحورية الأساسية في التعليم وفي مهن المستقبل؟!
إعلان مجلس أمناء جامعة آل البيت بائس جدا رغم كل ما أحيط به من محاولات جعله توجها مستقبليا، فباختصار شديد، أن نفكر للمستقبل يعني أن نكون مستوعبين للتحولات التي تؤثر فيه، ويعني أيضا استيعاب التحديات المفروضة على البشر في الحياة نتيجة هذه التحولات.
مع احترامي لجميع القامات التي يضمها مجلس أمناء آل البيت، لكنني لا أستطيع تصديق أنهم كانوا قادرين على استيعاب هذه الأمور.
في الولايات المتحدة الأميركية، وفي دول أوروبية لا تمتلك بريقا كبيرا مثل فنلندا ودول في أميركا اللاتينية مثل البرازيل، أو نيجيريا الأفريقية، وأيضا في آسيا مثل كوريا الجنوبية والهند، استطاع خبراء التعليم أن يظلوا مخلصين للمستقبل، فوجهوا التعليم إلى كل ما من شأنه أن يظل قائما خلال الخمسين عاما القادمة، والأهم أنهم ربطوا هذا التعليم باحتياجات السوق الحقيقية وأسسوا لشراكات بين الجامعات وبين المصانع، ما أدى إلى تطوير كبير في حياة تلك المجتمعات، وإلى انعكاس مهم على الناتج القومي لتلك الدول.
هذا ما قامت به دول تستطيع أن تستشرف المستقبل.. فما الذي يمكن أن تقوم به جامعاتنا اليوم لتعزز فرصنا بالبقاء خلال العقود المقبلة؟