من معاوية بن أبي سفيان إلى هرقل قيصر الروم: لا للحماية الدولية ولا للفتنة الطائفية .. د. إبراهيم علوش
من يعزفون على وتر الطائفية في سوريا اليوم، خاصة في بعدها السني-العلوي، ومن يطالبون بالحماية الدولية أو بالتدخل الدولي في سوريا وهم يلتحفون بعباءة التسنن، خاصة من شيوخ البترودولار، ومن يستدعون التحالف مع قوى الهيمنة الخارجية تحت أية ذريعة مهما كانت، كم يجدر بهم وبأنصارهم أن يطلعوا على رسالة معاوية بن أبي سفيان الجوابية إلى هرقل قيصر الروم إذ عرض عليه الأخير أن يرسل له جيشاً يؤازره في صراعه مع علي بن أبي طالب ليتخذوا منها عبرة.
ويقال أن معاوية كان رجلاً براغماتياً غير مبدئي، وأنه كان طالب سلطة ليس إلا، لكن موقفه الرافض بحزم لإرسال جيش بيزنطي يساعده على نيل الخلافة دون سيدنا علي دليلٌ على أنه كان رجلاً ملتزماً بالخطوط الحمراء، التي لا يلتزم بها كثيرون من طلاب السلطة والحكم في بلادنا اليوم إذ يستدعون التدخل الأجنبي بكل استخفاف دون اعتبارٍ لسيادة أو وطن أو شرع.
ولو افترضنا جدلاً أن معاوية رفض التدخل الأجنبي لمصلحته خوفاً من سقوط مصداقيته أمام عامة العرب والمسلمين، فإن القصة تظل تعبر عن ثقافة بالحد الأدنى، ثقافة عربية إسلامية أصيلة، لا بد من التمسك بها وتعزيزها في وجه دعاة الحماية الدولية والتدخل الأجنبي.
وخلاصة القصة أن الخلاف لما اشتد بين علي ومعاوية، وبلغ ذلك قيصر الروم، فإنه أرسل برسالة لمعاوية يقول له فيها: “علمنا بما وقع بينكم وبين علي بن أبي طالب، وإنا لنرى أنكم أحق منه بالخلافة لحنكتكم السياسية، فلو أمرتني أرسلت لك جيشاً أوله عندك وأخره عندي يأتون إليك برأس علي”.
فلما وصل كتابَ هرقل لمعاويةَ، طلب من كاتبه أن يخط على ظهر الرقعة الرد التالي: “أخان تشاجرا فما بالك تدخل فيما بينهما وتعلي من نباحك؟! إن لم تُخرِس نباحك أرسلت إليك بجيشٍ أوله عندك وآخره عندي يأتونني برأسك أقدمه لعلي”، وأمر برد الرسالة لصاحبها.
ويقال أن قيصر الروم أرسل نفس الرسالة لعلي بن أبي طالب فرد بمثل ما رد به معاوية من رفضٍ مطلق أن تطأ أقدام جيش الروم أرض الشام لدعمه.
وتجمع كل المصادر على فحوى الرد الرافض بعنف لتدخل حلف ناتو ذلك الزمان في الصراعات الداخلية في بلادنا، رغم اختلاف العبارات. وقد جاء في مصدرٍ أخر أن مراسلة هرقل لمعاوية جاء فيها: “يا معاوية أجتمع أنا وإياك على علي لتستتب لك الخلافة”، فرد معاوية: “من معاوية بن أبي سفيان إلى كلب الروم، أمَّا بَعْد، فوالذي نفسي بيده إن تقدمت بكثيب – يقصد الأرض- أو عبرت بسفينة البحر، لاجتمعن أنا وابن عمي علي بن أبي طالب عليك، فالحذر الحذر!”.
وفي روايةٍ أخرى جاء في رسالة هرقل لمعاوية: “يا معاويةُ: لقد علمتُ ما كان بينَك وبينَ صاحبِك، فإن شئتَ أرسلتُ إليك بجيش قوي يأتي لك بعليٍّ مُكبَّلاً بالأغلال بين يديك!“، فرد معاوية: “من معاويةَ بنِ أبي سفيان إلى هرقلَ، أما بعد، فأنَا وعليٌّ أخوانِ، كُلٌّ منَّا يرى أن الحق له، ومهما يكن من أمرٍ فما أنت بأقربَ إليَّ من عليٍّ، فاكففْ يا هرقلُ عنَّا خُبْثَكَ وشَرَّكَ وإلا أتيتُ إليك بجيشٍ جَرَّارٍ، عليٌّ قائدُه، وأنا تحتَ إمْرَةِ عليٍّ حتى أُمَلِّكَهُ الأرضَ التي تحتَ قدميكَ!“.
وكم كنا نتمنى على خطباء الفتنة على المنابر وفي الفضائيات، ممن يثيرون الصراع الطائفي ويحركون بحور الدم في سوريا اليوم، وفي لبنان، لو استمدوا العبرة من هذا الموقف العربي الصميم من شرفاء الصحابة وخلفاء المسلمين. فمهما بلغ الخلاف الداخلي يبقى الأساس: لا لاستباحة السيادة من قوى الهيمنة الخارجية، ولا للفتنة الطائفية.