“حبس المدين”.. سلبيات وإيجابيات (2-2)

اخبار البلد-

 

استكمالًا لمقال سابق، تم التطرق فيه إلى "سلبيات وإيجابيات”، مشروع قانون التنفيذ الجديد، أو بما عُرف بـ”قانون حبس المدين”، فإنه من الأهمية النظر وبجدية إلى حماية الحقوق وعدم إعطاء "شرعية”، لعدم دفع مستحقات مالية للغير، وضرورة التفريق ما بين "متعثر” وذلك الشخص الذي يتعمد عدم السداد.
على السلطة التشريعية، بغرفتيها مجلسي النواب والأعيان، ومن قبلها السلطة التنفيذية، الانتباه جيدًا عند إقرار مشروع القانون ذلك.. فلا أحد يُنكر بأن هناك أناسا "قد تعثروا”، وليس في نيتهم النصب أو الاحتيال، وسجلاتهم القضائية تُثبت ذلك، إلا أنه وبالمقابل من ذلك يوجد أشخاص يتفننون في الاستيلاء على أموال الآخرين بالباطل وزورًا وبهتانًا.
مرة ثانية، أؤكد بأن حبس المدين، لا ينفع الدائن بأي شيء.. لكن من حق الأخير، ومن باب العدل أيضًا، أن تكون هنالك طريقة يضمن بها حقه… ويوجد حالات كثيرة "صبر” تجار على آخرين، "تعثروا” في وقت ما، ولكن هذا لا يأتي في وقت قصير وما بين ليلة وضحاها، وإنما بعد أعوام من الثقة.. ورغم كل ذلك فإن العلاقة ما بين الطرفين بحاجة إلى سند أو شيك.
من يضمن حق الدائن، عندما يأخذ المدين الفلوس من الدائن، لشراء حاجيات تُعتبر "كماليات”، أو للتسوق والتنزه خارج أو داخل الأردن، أو تجديد مركبة، أو حتى تدريس أبناء في مدارس خاصة.. وعندما يأتي موعد السداد، تبدأ عملية التهرب، وكأن لسان حاله يقول "افعل ما تشاء”.
إن من سلبيات هذا القانون، إذا ما أُقر كما تم تسريبه، فإننا نعتقد بأنه سيعمل بطريقة أو أخرى، على تقليص الحركة التجارية بين التجار، وخصوصًا "الصغار” منهم، وبالتالي اقتصارها على البيع النقدي، ما سيؤدي إلى خروج الكثير من التجار من السوق، وخاصة أولئك الذين يعتمدون على شراء البضاعة برسم البيع أو "الدين”، فـ70 بالمائة من تجار الأردن يتعاملون بـ”الدين” أو الشيكات المؤجلة.
كما أنه قد تنتشر جرائم أخذ "الحق” بقوة اليد، وهنا يجب أن ننتبه، بالنهاية اسمه "حق”، والمنطقة العربية كلها عاشت على مقولة "من أخذ مالك خذ روحه”، وعليها يجب أن تُقاس الأمور.. ونتمنى على الجميع ألا يفهم من كلماتي هذه دعوة إلى القتل أو استخدام القوة في أخذ حق، فالقضاء موجود، والجميع يؤكد بأنه نزيه وعادل.
ثم إن القانون الجديد، قد يُنهي عمليات البيع بالتقسيط، والتي يعتمد عليها أكثر من 85 بالمائة من المواطنين.. حيث سيكون لسان حال التاجر أو الدائن "أنا من يضمن حقي؟!”، وبالمقابل ستُعاني تلك الفئة، الطبقة الوسطى، التي تعتمد على التقسيط في شراء حاجيات البيوت، من غسالة أو تلفاز أو ثلاجة أو غاز، وحتى كذلك الأقساط المدرسية في حال كان أبناؤهم يدرسون في مدارس خاصة.
حتى المحاكم ووزارة العدل، يمكن أن تتأثر سلبًا جراء مشروع القانون ذلك، إذ يمكن أن يؤدي إقراره إلى انخفاض في أعداد القضايا الواردة للمحاكم، بحجة عدم جدوى عملية التقاضي، وبالتالي انخفاض المردود المالي، الذي تتحصل عليه المحاكم جراء تسجيل القضايا والتي تبلغ مئات الملايين من الدنانير سنويًا.
أؤكد مرة أخرى، بأنني من مؤيدي عدم حبس المدين، لكن المدين المتعثر، المدين الذي ليس لديه أسبقيات، كما أنه يجب إيجاد طريقة للتفريق ما بين المتعثر غير القادر على السداد أو ذلك الممتنع "المماطل”، "المستهتر”.. إلا أن العدل شيء عظيم، وبالأخص عندما يُطبق على الجميع، بلا استثناء.
إن الحالة التي تسود في موضوع الدائن والمدين، لا يمكن اعتبارها أبدًا طبيعية أو عادية، ونشك باستطاعة القوانين الحالية معالجة هذه القضية، وخاصة أن المحور الأساس فيها هو نظام بنكي مجحف، لا يقيم أي وزن للمواطن كإنسان، ولا تغير وضع المدين أو حالته الاقتصادية، بل كل همه منصب على تحقيق أرباح طائلة، جراء ما يتقاضاه من فوائد بنكية مرتفعة.