الاحتكام الديمقراطي

لم يتوهم قادة الحزب الديمقراطي أنهم قادرون على إسقاط الرئيس الأميركي ترامب عبر مجلس النواب، ولكن إصرارهم على توجيه لائحتي إتهام يهدفون من خلالها إلى زعزعة مكانته الانتخابية الطاغية على أغلبية الناخبين الأميركيين، وهم مقبلون على انتخابات الرئاسة العام المقبل.
لقد صوت أغلبية النواب لصالح لائحتي الاتهام بتهمتي استغلال السلطة وعرقلة عمل السلطة التشريعية كخطوة على طريق عزل الرئيس، ونجحوا في خطوتهم، ولكن قرارات مجلس النواب لا تكون نافذة بدون تصويت الأغلبية لدى مجلس الشيوخ لصالح قرار النواب، وفي حالة قرار العزل يحتاج لموافقة ثلثي الشيوخ، ولأن الديمقراطيين الذين يملكون الأغلبية لدى النواب يفتقدونها لدى مجلس الشيوخ مما يتعذر تمرير قرارهم لدى الشيوخ بعد أن حصلوا عليه من قبل النواب.
ولهذا السبب الجوهري أوقفت بيلوسي رئيسة مجلس النواب إجراءات القانون وتسلسله لمعرفتها المسبقة أن قرار النواب لا يحظى بموافقة الأغلبية لدى الشيوخ، ولا شك أنهم سيعملون على إحباط قرار مجلس النواب، وينزعون أهميته فيما لو عرضوه على الشيوخ، ولهذا طالبهم ترامب وتحداهم لعرضه على الشيوخ، لثقته أن قضية العزل ستحظى بما حظي به كل من الرئيس أندرو جونسون عام 1868 وبيل كلينتون عام 1998، وهي البراءة.
بيلوسي آثرت تجميد القرار في أدراجها كي يبقى سيفاً مشحوناً معلقاً ينتظر اللحظة المناسبة لتوظيفه، أو يبقى لدى الديمقراطيين بمثابة قرار نيابي أدان الرئيس معنوياً حتى ولو بقي أعرجا بدون قرار مجلس الشيوخ.
قرار مجلس النواب الأميركي بمبادرة من الديمقراطيين له هدف انتخابي محصن، وتعبير عن صراع الحزبين على سلطات اتخاذ القرار: البيت الأبيض، الكونغرس بمجلسيه، حكام الولايات، هذه عناوين انتخابية يتم الصراع على الفوز بها عبر صناديق الاقتراع ومن خلال كسب الصوت الانتخابي.
قرار مجلس النواب مثله مثل كل القرارات المناكفة التي شرعها المجلس وقيمتها معنوية ليس لها مدلول مادي أو إجرائي قابل للتنفيذ مثل قرارات رفض الاستيطان الإسرائيلي، وقرار حل الدولتين، باعتبارهما مؤشرات إيجابية من قبل النواب الديمقراطيين ولكنها تفتقد لآلية البت والفرض على سلوك وخيارات الإدارة الأميركية وكيفية تعاملها مع سياسة المستعمرة الإسرائيلية.
حينما ننظر ونراقب ما يجري في الولايات المتحدة أو لدى المستعمرة الإسرائيلية نراقب ذلك بحسرة لسببين: أولهما لأن تجاوزات أو فساد أو تطاول ترامب ونتنياهو وتورطهما في قضايا فساد يدفعنا نحو مواقع الرجاء والتمني كي تتم الإطاحة بهما لكونهما يُعاديان حقوق الشعب الفلسطيني وتداعيات هذا العداء السلبي علينا كأردنيين وعرب ومسلمين ومسيحيين، وعرقلة تطلعاتنا وأمانينا في حرية فلسطين واستقرار العرب وتقدمهم.
وثانيهما أن لديهما من الوسائل الديمقراطية والاعتماد على أصوات الناخبين في إدارة الصراع داخل مؤسساتهما وهذا ما نفتقده في عالمنا العربي، ونحتاج له حتى ننتهي من الفردية والتسلط والخيار الأوحد، ونحتكم في إدارة مؤسساتنا إلى نتائج وإفرازات صناديق الاقتراع.
نحزن ونتحسر بل ونتوجع لعلنا نكتسب ما لديهم من مؤسسات حتى نستطيع حينها التفوق عليهما ونعمل على هزيمتهما.