التنقيب عن الوهم

اخبار البلد-

 

صادم ومثير للاستغراب ما تقرأه عن ملابسات التعاقد مع شركة كندية كان أحيل عليها منذ منتصف العام 2015 عطاء التنقيب عن النفط في منطقة الجفر بقيمة 12 مليون دولار، حيث لم تقدم الشركة كفالة حسن التنفيذ ولم تلتزم بالاتفاقية مع الحكومة ولم تجر أي تنقيب بالمنطقة المذكورة، ما استدعى اليوم تقديم الحكومة مشروع قانون لإلغاء الاتفاقية مع تلك الشركة.
هذه المعلومات والملابسات أوردها أول من أمس خبير في شؤون النفط (عامر الشوبكي) في بيان منشور له، تحدث فيه أيضا عن ما اعتبرها اتفاقيات ملتبسة مع غير شركة أجنبية أخرى في قطاعات التنقيب عن الغاز والصخر الزيتي التي شابتها تساؤلات وإشكالات عديدة، أدت بالمحصلة لهدر مالي لخزينة الدولة وتعطيل استغلال لثروات وطنية محتملة. قد يصعب في هذه العجالة مناقشة ما ورد في البيان من معلومات وتفسيرات لتلاعبات مفترضة، لكنه بلا شك يحتاج لتدقيق وتحقيق رسمي من أصحاب الاختصاص وايقاع المحاسبة إن ثبت وجود أخطاء أو تجاوزات وشبهات فساد.
وبعيدا عن هذه التفصيلة في ملف الطاقة الذي شهد في الأسابيع الأخيرة نبشا واسعا وطرحا للعديد من نقاط الاستفهام والتساؤل التي طالت العديد من مشاريعه، فإن قصة إلغاء الاتفاقية مع هذه الشركة الكندية تعيد للواجهة مجددا ضرورة فتح ملف اختيار شركات وهمية أو لا تمتلك الملاءة المالية أو الفنية لعقد اتفاقيات معها بعيدا عن الشفافية ودون البحث والتحري عن أوضاعها وقدراتها الحقيقية قبل التوقيع معها بعقود بملايين وحتى بمئات الملايين من الدنانير، وبما يحمل الدولة أعباء مالية باهظة ويعطل مصالحها وأعمالها، وبما يفتح الباب على مصراعيه لدخول الفساد والتجاوزات والتلاعبات على حساب المصلحة العامة.
وقصة اتفاقية الغاز الفلسطيني المسروق من اسرائيل ليست ببعيدة، حيث تثار اليوم علامات التساؤل عن حقيقة توقيع الاتفاقية من قبل شركة الكهرباء الوطنية مع شركة مجهولة مسجلة "أوف شور” بإحدى الملاذات الآمنة كشركة وسيطة، بالرغم من خطورة الاتفاقية وقيمتها المالية الضخمة البالغة نحو 15 مليار دولار على مدى سنوات العقد، وتكبيلها للبلد بغرامات واشتراطات كبيرة في حال التراجع عنها.
كيف يمكن لحكومة التوقيع على اتفاقية مع شركة أجنبية أو حتى محلية دون التدقيق بهويتها وقدراتها وملاءتها أو البحث في سيرتها الوظيفية والعملية وخبرتها في مجال عملها، فقد بات معروفا أن هناك الكثير من الشركات الوهمية أو الفاشلة والضعيفة التي تتصيد الفرص بعطاءات مع دول نامية تضعف فيها الشفافية، لتتمكن تلك الشركات من الحصول على قروض من البنوك أو لتحسين وضعها وصورتها في السوق ما يرفع من قيمة أسهمها وربما بيعها لمستثمرين آخرين وتحقيق مرابح كبيرة دون أن تلتزم بما عليها من عقود وأعمال تجاه تلك الدول النامية.
للأسف ليس مطلوبا من تلك الشركات الوهمية أو المحتالة سوى البحث عن وسطاء فاسدين ومتنفذين في تلك الدول المستهدفة بعملها لتسهيل اختراقها والحصول على بعض عطاءاتها، يساعدها في ذلك غياب الرقابة والشفافية وضعف آليات المحاسبة والتدقيق، والخاسر في النهاية هو البلد المستهدف ومصالحه العامة.
والوجه الآخر لدور الفاسدين والمتنفذين هو تطفيش المستثمرين والشركات الأجنبية ذات الملاءة والقدرة الحقيقية على العمل والإنجاز إن لم يرضخوا للابتزاز واستحقاقات الفساد وبالتالي فتح المجال للشركات الوهمية أو الفاشلة لاحتلال مكانها ونيل العطاء والعقد المقصود.
الراهن؛ أننا اليوم في الأردن أمام استحقاق المراجعة للعديد من ملفات الاتفاقيات والعقود المتعثرة مع شركات وأطراف أجنبية، سواء في قطاع الطاقة أو غيره من قطاعات. وأيضا مطلوب اليوم وبإلحاح تعزيز ديوان المحاسبة أو أي جهات رقابية رسمية أخرى بقدرات وإمكانات فنية للتدقيق والمتابعة والتأكد من الملاءة المالية والفنية للجهات المتعاقد معها، وضمان الشفافية في عقد الصفقات والعطاءات والاتفاقيات التي تبرمها الجهات الرسمية مع شركات وأطراف أجنبية.