توزيع الدخل... نحو تحقيق العدالة الاجتماعية

اخبار البلد-

 
تحدثنا في المقال السابق حول بعض مظاھر عدم المساواة في توزیع الدخل على المستوى العالمي والاقلیمي والمحلي،وتناولنا ما قد یترتب على سوء التوزیع من مظاھر اقتصادیة واجتماعیة،كما تطرقنا ایضاً لبعض المؤشرات والاسالیب المستخدمة لقیاس توزیع الدخل والثروة والجھود التي تبذل لتحسین ھذه المؤشرات، واستكمالا لھذا الموضوع لا بد من السیر قدماً عبر النظر في السیاسات والاجراءات التي یمكن ان تؤدي لتحقیق عدالة في التوزیع تمھد للتعامل مع المصاعب الاقتصادیة والاجتماعیة التي یعاني منھا المجتمع وبما ینعكس ایجاباً على مختلف مكوناتھ .وشرائحھ بدایة من المفید ان نفرق بین الممكن وغیر الممكن والمقبول وغیر المقبول فیما یتعلق بعدالة التوزیع والمساواة، بمعنى ان نبتعد عن الطرح الحالم الذي یستحیل تحقیقھ وان نركز على النتائج الاساسیة التي نسعى الى تحقیقھا، فمثلاً لا نستطیع ان نضع نصب اعیننا تحقیق المساواة المطلقة فھي غیر ممكنة عملیاً وغیر عادلة منطقیاً، فالناس بطبیعتھم البشریة والتكوینیة یختلفون من حیث الامكانیات والقدرات الجسدیة والعقلیة وھذا شيء جید لانھ یؤدي الى تكامل القدرات والاعتماد المشترك وتبادل المنافع مما یخلق حركة انسانیة تحفز الطاقات والمنافسة وبالنتیجة تقود الى التطور والرقي،الا انھ وفي نفس الوقت فمن غیر المقبول ان یستطیع شخص ما الدراسة في جامعة مرموقة مع تواضع قدراتھ الاكادیمیة لان اسرتھ غنیة مثلاً في حین لا یتاح ذلك لطالب قد تكون قدراتھ الاكادیمیة افضل فقط لانھ لا یمتلك المصادر المالیة الكافیة،لذلك لا بد ان نضع العدالة معیاراً وبالاعتماد على مدى قیام الشخص بتادیة واجبھ والقیام بمسؤولیاتھ وفق موقعھ ومجالھ،وتوفیر ھذا المعیار یعد شرطاً للتطور المستدام القائم على اسس ثابتة،وعند تناول موضوع توزیع الدخل والثروة فنحن لا نسعى الى تجرید اصحاب الثروات من ثرواتھم وانما الى تحدید حصتھم العادلة من المشاركة في مسؤولیتھم تجاه مجتمعھم،اُخذین بعین الاعتبار ان النتیجة التي نسعى الیھا ھي توفیر الظروف الملائمة لحیاة كریمة لمختلف فئات المجتمع،وخاصة الفقراء، وكیفیة تحقیق ذلك باقل كلفة مع ضمان أفضل .النتائج،ولا شك بان تحقیق ذلك سیعود بالمنفعة على سائر مكونات المجتمع وقد حظي موضوع توزیع الدخل باھتمام كبیر في الفكر الاقتصادي خلال الفترات التاریخیة الماضیة،الا ان ھذا الاھتمام تراجع مع توسع انتشار النیولیبرالیة الاقتصادیة والتي تعتبر ان اعادة التوزیع ھو أحد منتجات نظریة توازن المنتج،بحیث ان كل عنصر من عناصر الانتاج یتحدد بانتاجیتھ الحدیة،وھذا الطرح یستبعد دور التوازنات المجتمعیة واثرھا على التوزیع،وھنا لا بد ان نشیر ایضاً الى ان سوء التوزیع،وفق بعض الطروحات النظریة یشكل محفزاً للازمات الاقتصادیة الدوریة وعائقاً لاستدامة النموذج الاقتصادي، وقد تم تناول موضوع اسباب وملابسات سوء توزیع الدخل والثروة في العدید من الكتب والدراسات مثل » رأس المال في القرن الحادي والعشرین » لتوماس بیكتي، و"اللامساواة: ما الذي یمكن عملھ» لأنتوني أتكنسون وغیرھا،ومع الادراك بانھ لم یتحقق بعد التقدم الذي تطمح لھ المجتمعات في مجال اعادة توزیع الدخل والثروة الا انھ ووفقاً لتقریر «الفقر والرخاء المشترك» الذي اصدره البنك الدولي عام 2018 فقد حققت بعض الدول انجازات لافتة في مكافحة الفقر،فقد أشار التقریر الى انھ وفي عام 1990 كان 36 %من سكان العالم یعیشون في فقر وفقاً لتعریف خط الفقر الدولي،وتراجعت ھذه النسبة الى 10% عام 2015 ،ویفسر ذلك بشكل اساسي بالصعود الاقتصادي للصبن،فمثلا في بلدان شرق اسیا والمحیط الھادي انخفض معدل متوسط الفقر من 62 %الى أقل من 3 %خلال ھذه الفترة.وھذه النتائج تشیر الى ان امكانیة رفع مستوى معیشة المواطنین وتحسین ظروف حیاتھم ھدف قابل للتحقیق في حال تم انتھاج السیاسات والاجراءات المناسبة،مع الادراك المسبق بان الفقر لا یتعلق بمستوى الدخل فقط وانما ایضاً بجوانب متعددة لھا تأثیر مباشر على مستوى حیاة ورفاه المواطن بما في ذلك الخدمات الصحیة والتعلیمیة وخدمات البنیة التحتیة والشعور بالامن وغیرھا،ومع ھذا الادراك والوعي بالجوانب المختلفة والرؤیة متعددة الابعاد لموضوع الفقر واللامساواة نستطیع ان نبني البرامج الاجتماعیة .والتنمویة الموجھة للتغلب على ھذه المصاعب والتعامل معھا بشل ملائم وقد نظم البنك الدولي حلقة نقاشیة خلال اجتماعات الربیع حول » كیفیة جعل النمو یصب في مصلحة الفقراء» وأخرى حول «مسائل التفاوت في الدخل: كیف یمكن ضمان أن تعم فائدة النمو الاقتصادي على الأكثریة ولیس الأقلیة» وتقول بینیلوب جولدبرج كبیرة الاقتصادیین في البنك الدولي:» أن مسألة التفاوت ظاھرة معقدة للغایة لا یمكن التعامل معھا في جلسة قصیرة،لھذا السبب أنشأ معھد الدراسات المالیة في لندن مشروع ً ا طموحا متعدد التخصصات، برئاسة أنجوش دیتون، الحائز على جائزة نوبل، تحت اسم تقریر دیتون، لفھم الجوانب المتعددة لمسألة التفاوت واقتراح السیاسات المناسبة. ویُشار إلى المشروع باسم «التفاوتات في القرن الحادي والعشرین»،یجمع ھذا المشروع المتعدد التخصصات خبراء في الاقتصاد والعلوم السیاسیة وعلم الاجتماع والصحة العامة بھدف إجراء مناقشة شاملة لكنھا دقیقة، بل والأھم أن تكون متوازنة حول التفاوت»، وتضیف بان النمو ھو الاولویة الرئیسیة للبلدان النامیة ومن الناحیتین النظریة والتجریبیة، نتوقع أن یسیر النمو والتغیرات التي تطرأ على توزیع الدخل جنبًا إلى جنب، وتشیر الى ان الاھتمام بكیفیة توزیع الدخل یعود الى ان الناس یبدون اھتماماً بموضوع الانصاف وغالبًا ما یُنظر إلى التفاوتات الكبیرة في الدخل أو الثروة على أنھا غیر منصفة. ولكن لا یمكن المطالبة بالمساواة الكاملة بصرف النظر عن الكفاءة والجھد ومتطلبات السوق،كما ان التفاوتات الكبیرة في الواقع العملي تحدث اضطرابات اجتماعیة ویمكن أن یعرقل رد الفعل ھذا تحقیق المزید من النمو،كما ان التفاوتات الكبیرة في الدخل والثروة تترجم إلى حالات عدم مساواة في .الفرص ولكي نستطیع بناء السیاسات الملائمة لحل اشكالات الفقر وعدم المساواة لا بد لنا من توفر البیانات التي من خلال دراستھا وتمحیصھا یمكن التوصل الى الاسباب المؤدیة للتفاوت وعدم المساواة والفقر، وانطلاقاً من ھذه الاسباب یتم بناء النماذج الملائمة للتعامل معھا بشكل متكامل وعلى مختلف الاصعدة،مع منح اھتمام خاص بالمقدمات التي تؤدي الى اقصاء وتھمیش فئات معینة من المواطنین او مناطق جغرافیة بعینھا.ولغایات ضمان فاعلیة وكفاءة السیاسات والاجراءات فنحن اولا بحاجة الى دراسة البیانات بمنھج علمي تمھیداً لفھم مصادر سوء التوزیع واللامساواة وطبیعتھا،وكیف یمكن مواجھتھا في المراحل الاولیة والمتقدمة وما ھي الادوات الانسب للتعامل معھا،وبناء على ذلك یتم بناء برنامج متكامل للتغییر وبمشاركة مجتمعیة واسعة، ومن المھم ان نفھم الاسباب المؤدیة الى ظھور اللامساواة في الجوانب المتعلقة بالدخل والثروة والامكانات الاقتصادیة عموما،وھل ھذه الاسباب مشروعة أم لا مثلاً ھل حصل تراكم للثروة نتیجة لعملیات احتكار او نتیجة لفساد مالي او اداري في مكان ما،ام انھ حصل في ظل شروط تنافسیة عادلة وشفافة،وھذه الاسباب قد تفسر ما نراه احیانا من انتقادات حادة لسوء التوزیع واللامساواة،خاصة اذا ارتبط ذلك باستخدام ما یتم الحصول علیھ من ثروة او دخل بتحقیق مكاسب سیاسیة او التأثیر على السیاسات العامة. یقول رجل الاعمال نیك ھانویر» إن أھم درس تعلمتھ من تجربتي خلال العقود التي أمضیتھا في سوق الرأسمال ھو أن الأخلاق .«والعدالة ھما المطلبان الأساسیان لتحقیق الازدھار والنمو الاقتصادي. فالجشع صفة سیئة للغایة وفقاً لتقریر التنمیة البشریة الذي أصدره برنامج الامم المتحدة الانمائي الاسبوع الماضي احتلت المملكة المرتبة 102 من بین 189 دولة وكان تصنیفھا ضمن الدول ذات التنمیة البشریة المرتفعة،وبلغت قیمة مؤشر التنمیة البشریة في الاردن 723.0 وبالمقارنة مع دول المنطقة فھو أقل من دول الخلیج ولبنان وتونس تركیا، وفي حال تم تعدیل ھذا المؤشر وفقاً لمؤشر سوء التوزیع او عدم المساواة،فسوف ینخفض الى 617.0 اي بخسارة 7.14 نقطة،مما یعني ان تحسین ظروف المملكة فیما یتعلق بسوء توزیع الدخل والثروة وعدم المساواة سوف ینعكس ایجاباً على معدل التنمیة البشریة. وفي وقت سابق(2015 (كان برنامج الامم المتحدة الانمائي ومنظمة الیونیسیف قد اصدرا تقریر » عدم المساواة الاقتصادیة والاجتماعیة في الاردن»، والذي اشار الى مجموعة من الحقائق المشجعة تتلخص في ان مستویات عدم المساواة في الأردن منخفضة بالمقارنة مع المعاییر الدولیة،حیث یكمل 99%من الاطفال التعلیم الاساسي،كما ان التحویلات الاجتماعیة تقلص عدم المساواة في الدخل بنسبة 4،%كما ان خدمات المیاه شاملة تقریباً لمختلف انحاء المملكة،الا ان التقریر اشار ایضاً الى ان التفاوت في الدخل بین المحافظات اعلى منھ فیما بین المناطق الحضریة والریفیة،كما لفت ایضاً الى ان عدم المساواة في الفرص یفسر بشكل اساسي من خلال المستوى التعلیمي لرب الاسرة،ونوه الى انھ وبالرغم من ان الوضع الصحي والتعلیمي للمرأة في الأردن یقارن إیجابیا مع وضع الرجل الأردني،الا ان معدل مشاركة النساء في القوى العاملة ھو من ادنى النسب في العالم.ویُعد دعم تمكین المرأة اقتصادیًا ً أمرا بالغ الأھمیة، فوفقًا لدراسة أجراھا صندوق النقد الدولي یمكن أن تصل مكاسب الدخل لمنطقة الشرق الأوسط .%وشمال أفریقیا عن طریق سد الفجوات بین الجنسین في التوظیف وریادة الأعمال إلى 38 ان فكرة التصدى لسوء التوزیع وتحقیق العدالة وتوفیر الفرص للمواطنین في الاردن لیست فكرة غریبة، فأي منصف یستطیع ان یقرأ ملامحھا الواضحة في كتاب التكلیف السامي للحكومة الحالیة والذي أكد ضرورة «تمكین الاردنیین من حفز طاقاتھم،ورسم أحلامھم والسعي لتحقیقھا،وتلبیة احتیاجاتھم عبر خدمات نوعیة......ومنظومة أمان اجتماعي تحمي الضعیف في ظل بیئة ضریبیة عادلة.......على الحكومة أن تقوم بمراجعــة شــاملة للمنظومــة الضریبیــة والعــبء الضریبــي بشــكل متكامــل، ینــأى عــن الاســتمرار بفــرض ضرائــب اســتھلاكیة غیــر مباشــرة وغیــر عادلــة لا تحقــق العدالــة والتــوازن بیــن دخــل الفقیــر والغنــي،.....،إن الحــوار والتواصــل وبنــاء التوافــق ھــو مــن أھــم الأدوات التــي علــى الحكومــة أن ترتكــز إلیھــا فــي انفتاحھــا وتواصلھــا مــع الســلطات الأخــرى ومــع المواطنیــن. فعلــى الحكومــة أن تســتمع للمواطنیــن وتشــرح، بــكل شــفافیة وموضوعیــة، الآثــار العمیقــة التــي خلفتھــا وتخلفھــا الظــروف الاقتصادیــة الصعبــة التــي مررنــا ونمــر بھــا، لأن فھــم الواقــع ھــو المفتــاح لبلــورة أي إجــراءات أو تشــریعات ضروریــة لتجــاوز الظــرف الاقتصــادي الصعــب».وفي حال تم وضع السیاسات اللازمة لتحقیق التوجیھات الملكیة سنكون قد قطعنا شوطاً طویلاً في تحقیق اعادة توزیع عادلة للدخل .وساھمنا بشكل فعال في بناء منظومة متكاملة لتعزیز الفرص والقدرات والتصدي لمصاعب اللامساواة والتفاوت ھناك العدید من المطالبات باعادة النظر في الانظمة الضریبة بشكل یضمن تصاعدیتھا وخاصة على ذوي الدخول والثروات المرتفعة، وبحیث تصبح ضریبة الدخل والضریبة على الثروة ھي الاساس الذي یؤمن ایرادات تمكن الحكومات من توجیھ مزید من المصادر المالیة لتحسین الخدمات المقدمة للمواطنین بما فیھا خدمات البنیة التحتیة والخدمات الصحیة والتعلیمیة باعتبار ذلك خطوة اساسیة لاعادة توزیع الدخل بشكل عادل بین المواطنین ذوي الدخول المختلفة من جھة وبین المناطق الجغرافیة من جھة اخرى،خاصة وان الربع الاخیر من القرن الماضي شھد تراجعاً .واضحاً في نسب ضریبة الدخل على الافراد والشركات اضافة الى غیاب شبھ كامل لضریبة الثروة او التركات ویعتقد الكثیرون ان ھذا یعد سببا اساسیاً لتفاقم تركیز الثروة وانتشار اللامساواة في مختلف المجتمعات وقد كتب الكثیر من المقالات «جوزیف ستیغلتزوغیره» والكتب بھذا الخصوص من أبرزھا كتاب إیمانویل سایز وغابرییل زوكمان، «انتصار الظلم: كیف یراوغ الاغنیاء الضرائب وكیف نجعلھم یدفعون» وكتاب كینیث شیف ودیفید ستاسافاج «فرض الضرائب على الأغنیاء: تاریخ الإنصاف المالي في الولایات المتحدة وأوروبا «وكتاب توماس بیكیتي «رأس المال والایدیولوجیا »،ولم یقتصر الامر على ذلك فقد امتدت ھذه المطالبات ضمن برامج الساسیین،فبعض القادة في الحزب الدیمقراطي الامیركي «الیزابیث وارین و بیني ساندز» رفعوا مطالبات بفرض ضریبة على الثروة والتركات،وخاصة اصحاب الملایین.ولا شك بان ھناك اساساً معقولاً لھذه المطالبات،الا ان ما قد یترتب علیھا من اثار یتطلب النظر لھا بحذر شدید،ففي عالم الیوم یمكن ان تنتقل الثروات بین منطقة واخرى خلال دقائق،كما ان الدول المختلفة تتنافس فیما بینھا لجذب الاستثمارات وھي في سبیل ذلك تلجأ لتخفیض نسب الضریبة،ناھیك عن توفر ملاذات ضریبة في مناطق مختلفة من العالم،وھذا یعیدنا الى مربع تحدید الاولویات على المدى المتوسط والطویل وموضوع استدامة النمو،ویبرز تساؤل منطقي للمفاضلة بین جني ایرادات بنسبة أكبر أم العمل في سبیل تحقیق نسب أعلى من النمو،وبالتالي تكبیر الكعكة لیصبح بالامكان المشاركة فیھا وزیادة حصیلة الایرادات عبر ذلك،ومن المؤكد ان فكرة زیادة النسب الضریبیة او فرض ضریبة على الثروات لا یمكن ان تنجح في حال تم تطبیقھا في دولة بعینھا،بل قد تكون نتائجھا عكسیة، ولكن ھذا لا ینفي ضرورة السعي الى تكوین مزیج ضریبي ملائم یخفف العبء عن الفئات الفقیرة ونحن ھنا نعني ضریبة المبیعات او ضریبة القیمة المضافة والتي تتصف بعدم العدالة لانھا تطبق بنفس النسبة على مختلف المستھلكین بغض النظر عن مستوى دخلھم،أما ضریبة الدخل فمن المعلوم انھا ترتبط بمستوى الدخل الذي یحققھ الافراد او الربح الذي تجنیھ الشركات،ولكن ما یجب ان لا یغیب عن بالنا ھو ان المصادر الرئیسیة لعدم العدالة وسوء التوزیع مثل البیئة الاجتماعیة بما فیھا الجنس والعمر والعرق ومستوى تعلیم رب الاسرة وثروة الاسرة واماكن الاقامة، فھذه العوامل .اضافة الى عدم تكافؤ الفرص تحدد بشكل او باخر الملامح المستقبلیة للمجتمع بشكل عام ترى منظمة أوكسفام انھ یمكن تقلیص اللامساواة ومحاربة الفقر والفوارق الاجتماعیة من خلال خطوات محددة تتلخص في بلورة وتطویر برنامج عمل وطني لمواجھة الفوارق الاجتماعیة یتم من خلالھ تبني ھدف طموح یسھم في تقلیص الفوارق الإجتماعیة في إطار أھداف التنمیة المستدامة،اضافة الى توفیربیانات إحصائیة متاحة للعموم حول تفاوت الدخل وتركیز الثروة مع اتخاذ إجراءات ملموسة لتصحیح الفوارق وعدم المساواة بین الجنسین وتحسین الحوكمة اضافة الى إطلاق خطة لتنظیم النشاطات الاقتصادیة، كما تؤكد ضرورة تبني نظام ضریبي یساھم في تقلیص الفوارق الاجتماعیة،وذلك من خلال تحسین تصاعدیة النظام الضریبي في مجملھ وإدخال ضرائب تصاعدیة على الأملاك ومكافحة التھرب الضریبي وتوسیع الوعاء الضریبي لجعل مساھمة مجموع الفاعلین الاقتصادیین داخل البلد .أكثر عدلا،واضافة شرائح جدیدة لضریبة الدخل على الاجور الاكثر ارتفاعاً وفي ذات الاطار عقد معھد بترسون للاقتصاد الدولي مؤتمراً في شھر تشرین أول الماضي تحت عنوان «مكافحة اللامساواة: نحو سیاسات تقلص اللامساواة في الاقتصادات المتقدمة» وطرح خلال المؤتمر مصفوفة سیاسات تستھدف ثلاث مستویات من اللامساواة خلال ثلاث مراحل: ماقبل الانتاج ومرحلة الانتاج ومرحلة ما بعد الانتاج وتتلخص الحزمة الاولى من السیاسات في االخدمات الصحیة والتعلیمیة،والانفاق على التعلیم العالي، أما الثانیة فتتلخص في تأمین الوظائف والحد الادنى للأجور،وتحسین جودة ظروف العمل عبر قوانین العمل والعلاقة بین النقابات واصحاب العمل..،ومكافحة الاحتكار والتنظیم،أما الثالثة فتتعلق بالتحویلات وسیاسات التوظیف الكلي،شبكة .الامان الاجتماعي،سیاسات الضمان الاجتماعي،وضریبة الثروة بالرغم من كل التعقیدات والتداخلات التي یحویھا موضوع توزیع الدخل والثروة وما یرتبط بھ من مفاھیم التفاوت واللامساواة،الا اننا في النھایة سنعود للاساسیات واعني بذلك موضوع النموالاقتصادي،صحیح ان النمو وحده لا یقلص التفاوتات ولا یقضي على الفقر بشكل اُلي ولا یؤدي بالضرورة لتوزیع عادل للدخل والثروة،الا انھ بدون النمو لا یمكن ان نوفر فرص عمل للفقراء والعاطلین عن العمل لنحسن ظروفھم المعیشیة،كما انھ،أي النمو،یساھم في زیادة الایرادات وتحسینھا مما یتیح المجال للحكومة لتخصیص مصادر اضافیة لتوفیر الخدمات للمواطنین وتقلیص الفوارق بینھم،ولكن الى جانب النمو لا بد من العمل على تنفیذ تدابیر واجراءات تضمن شمولیة النمو لمختلف فئات المجتمع،فھذه ضمانة اساسیة للنمو المستدام، بما في ذلك تحسین الحوكمة والشفافیة وسیادة القانون وتعزیز حقوق الانسان،مع التأكید على اتباع سیاسات ضریبیة اكثر عدالة ومحاربة التھرب الضریبي،وفیما یتعلق بالسیاسات الضریبیة من المفید التذكیر بان الزكاة في الشرع الاسلامي تتشابھھ مع فكرة ضریبة الثروة ومن المھم التفكیر بایجاد .التناغم اللازم بین الضریبة والزكاة خدمة لاھداف المجتمع ولا بد ایضاً من ضمان تنافسیة الاسواق ومحاربة الاحتكار وتوفیر الخدمات الصحیة والتعلیمیة والخدمات العامة الاخرى لمختلف فئات المجتمع وفي مختلف المناطق الجغرافیة،وتحسین سیاسات سوق العمل وتنظیمھ بما یكفل حقوق مختلف الجھات ذات العلاقة، ومن الضروري ایضاً الاھتمام بموضوع سیاسات الحمایة الاجتماعیة بما فیھا شبكة الامان الاجتماعي التي تضمن مواجھة التھمیش والاقصاء ومنح الفرص للفئات الاقل حظاً كل ذلك یمثل حفظاً لكرامة الانسان وانسانیتھ بغض النظر عن مركزه الاجتماعي او ما یمتلكھ من ثروه،وھوفي نفس الوقت یشكل حافزاً اضافیاً .للنمو المستدام وداعماً للاستقرار الاجتماعي والسیاسي والأمني ومن المفید التأكید على حقیقة اساسیة وھي ان المشاركة المجتمعیة تضمن تنفیذاً اكفأ ونتائج أفضل وفھماً أعمق للسیاسات التي تنوي السلطات تنفیذھا،لذلك فمشاركة الفئات الاجتماعیة المختلفة في صیاغة ھذه السیاسات یوفر لھا حاضنة اجتماعیة یضمن استدامتھا وتحقیق اھدافھا،كما ان المشاركة ھي الخطوة الاولى،وقد تكون الاھم، لمواجھة الاقصاء والتھمیش الذي تعانیھ فئات اجتماعیة ھي في اشد الحاجة لاجراءات وسیاسات تجذبھا للمشاركة في النھضة .الاقتصادیة والاستفادة من ثمارھا.